الرئيسية مقالات واراء
كتب: الدكتور رامي عياصره - كان هذا عنوان الندوة التي عقدها مركز دراسات الشرق الوسط في عمان خلال اليومين الماضيين، تشرفت بحضورها إلى جانب نخبة من أهل الفكر والرأي والسياسة من الأردن والعالم العربي، وتناولت أربعة محاور مهمة هي: التداعيات السياسية والأمنية للحالة الراهنة في العالم العربي، والتحديات الماثلة أمام المصالحات واستراتيجيات تحقيقها، ودراسة عدداً من حالات الانقسام في الواقع العربي وسبل الخروج منها مثل الحالة المصرية والفلسطينية وكذلك في سوريا والعراق، ومستقبل العالم العربي في حال الخروج من الانقسامات وانعكاسها على المستوى السياسي والفكري والأمني والاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
طرحت في الندوة العديد من الأوراق المهمة في محاور الندوة وخلصت إلى نتائج عملية لمعالجة واقعنا العربي المأزوم بالكثير من الانقسامات والصراعات.
نحن على يقين أن الخروج من هذه الحالة الصعبة لن يتم بيوم وليلة، هناك عوامل فعلت فعلها على مدى عقود من الزمن في واقعنا العربي أدت إلى النتائج الكارثية التي نشهدها اليوم والتي باعتقادي تتعدى حالة الاختلاف والانقسام إلى حالة الصراع والاحتراب الداخلي التي أدت إلى التشظي والتشتت غير المسبوق.
تتنوع الانقسامات بحسب مستوى ومجال تأثيرها، هناك انقسام الأنظمة السياسية العربية بين بعضها البعض يظهر على شكل محاور، فبعد خروج العالم والعالم العربي من الاستقطاب بين المعسكر الشرقي بزعامة الاتحاد السوفييتي السابق والمعسكر الغربي بزعامة الولايات المتحدة والغرب فيما كان يسمى بالحرب الباردة، قُسّمت الأنظمة العربية في المرحلة الأخيرة إلى ما يسمى بمحور الممانعة ومحور الاعتدال، ثم بعد الربيع العربي صنفت بعض الأنظمة بالصديقة لتحقيق إرادة الشعوب وحريتها ومحور آخر معادي للها وعملت على شيطنته وتطويقه بالثورات المضادة ودعمها بكل الوسائل والأساليب، وبالتزامن مع هذه الحالة نشأ شكل آخر للانقسام يقوم على معيار المشاريع الإقليمية الفاعلة في المنطقة مثل المشروع التركي والمشروع الإيراني والمشروع الصهيوني، ليبدأ بعدها تصنيف الأنظمة العربية بحسب قربها وبعدها عن هذا المشروع أو ذاك.
في ظل حالة الاستقطاب الحادة التي تشهدها المنطقة العربية حاولت بعض الأنظمة أن تنأى بنفسها ولو نسبياً عن هذا التصنيف وهذا الاستقطاب العربي و الإقليمي الذي اتسم بالقسوة في بعض الأحيان، وما الأزمة الخليجية مع قطر وحصارها إلا مثال ونتيجة لهذا الاستقطاب الحاد.
هذا الانقسام أدى إلى شلل شبه كامل لجميع عناوين العمل العربي والإسلامي المشترك مثل مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي.
هذا الحال أدى إلى تعزيز الشعور باليأس من أنّ النظام الرسمي العربي قادر على أحداث أي تغيير تطمح له الشعوب بالسير نحو التنسيق و التكامل علاوة على الوحدة التي باتت اليوم أقرب إلى الحلم.
أدى هذا الانقسام على مستوى الأنظمة العربية إلى انحدار تلك الأنظمة إلى مستويات مرعبة في الأداء السياسي، فقد نزلت من مستوى التحالف مع القوى العظمى إلى مستوى التبعية وصولاً إلى كونها لا تتعدى مستوى الأدوات بيد تلك القوى العظمى توظفها كيف تشاء ومتى تشاء ويمكن أن تتخلص منها في أي وقت تشاء.
وهناك انقسام لا يقل خطورة وهو انقسام التيارات السياسية العربية على اختلاف منطلقاتها وايديولوجياتها وأحزابها المتمثلة بالتيار الإسلامي والليبرالي والقومي، وهي انقسام على مستوى النخب السياسية التي من المفترض ان تكون واعية لهموم الأمة وتعمل على تحقيق متطلبات نهوضها كونها تمثل كل منها عمقاً شعبياً معيناً.
وللخروج من هذا الانقسام لابد من الالتقاء على قاعدة التكامل أو التفاهم ومحاولة إيجاد تحالفات سياسية - ليست ايديولوجية - بناءً على تفاهمات ومصالح مشتركة بما ينقذ حالة التردي العربي الذي نعيش.
وهناك نوع آخر من الانقسامات هو الأخطر يتمثل بالانقسام المجتمعي الذي يمس عموم المجتمع العربي ويحول قاعدته العريضة إلى ميدان استقطاب على أسس طائفية أو دينية أو اثنية أو إقليمية أو عشائرية أو مناطقية ضيقة.
الانقسام على هذا النحو سببه ضعف الدولة القطرية في إقناع المكونات الاجتماعية المنضوية تحتها بأن مصالحها تكمن في قوة الجمعيّة للدولة وليس في مصلحة أي مكون الانفراد بنفسة لتحقيق مصالحه بمعزل عن بقية المكونات الأخرى، والبرهنة على ذلك لا تتم بمجرد رفع الشعارات الوطنية أو إنتاج الأغاني الحماسية أو ألقاء الخطب الرنانة أو اطلاق وعودات الخطط الخمسية أو العشرية، وإنما تتم بالمنجزات الحقيقة وتحقيق تنمية واقعية يلمسها المواطن في نختلف مجالات الخدمة التي تقدم له على صعيد التعليم والصحة والنقل والتطوير الإداري ومحاربة البيروقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية بما يعرف بتحقيق دولة المواطنة الذي يكون فيها الناس مواطنون لا رعايا.
مشكلة الانقسام المجتمعي أنه اذا وقع في أي مجتمع فانه ليس من السهل الخروج منه، فهو يحتاج إلى جهد كبير من التوعية والتثقيف المجتمعي، وقد تفنى فيه أجيال اذا لم تنقل عدواه إلى أجيال أخرى بعدها.
ونحن اليوم في العالم العربي ندفع أثمان باهظة نتيجة كل هذه الأنواع من الانقسامات مجتمعة تتفاعل فيما بينها على ساحتنا العربية فأثمرت خراباً وداراً واقتتالاً وحروباً داخلية في سوريا والعراق ومصر واليمن، وادت إلى تراجع القضية الأولى والمركزية للامة إلى المرتبة الثانية واحيانا إلى ابعد من ذلك بحسب تصنيف بعض الأنظمة العربية التي تعتبر أنّ الكيان الصهيوني حليف لمواجهة الخطر الإيراني. ودخول المنطقة العربية سباق التطبيع مع الكيان الصهيوني وبالعلن بعد أن كان اغلبه في السر ومن تحت الطاولة.
ومن الأثمان الباهظة التي ندفعها اليوم بسبب الانقسامات البينية هو تأخر وانتكاسة مشروع التحول الديمقراطي في العالم العربي، فعندما ننظر حولنا نرى بأن جميع أمم وشعوب العالم أجرت مشروعها في هذا الاتجاه حتى من غير دول العالم المتقدم كالبرازيل وجنوب أفريقيا وماليزيا وغيرها، في حين أننا لازلنا نقبع في ذيل الأمم وفي مؤخرة الشعوب، ولازلنا نعيش تحت رحمة أنظمة الاستبداد والفساد وبأشكال مخجلة تعود إلى ما قبل العصور الوسطى من تقديس الحاكم وتأليهه، وبما يغني عن ذكر الأمثلة والشواهد فهي أوضح من أن تذكر.
وصدق الله العظيم في قوله: ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ).