الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    دردشة حول الأحزاب

    جمعتني مؤخرا دردشة شارك فيها نواب وزملاء صحفيون، دار الحديث فيها حول مدى إمكانية النهوض بالإصلاح السياسي؟ وكيف يمكن تحقيق ذلك باعتبار أن الإصلاح السياسي سينتج عنه إصلاح اقتصادي واجتماعي وثقافي؟.

    السؤال الرئيس في دردشتنا كان حول الطريقة التي يمكن من خلالها تجاوز ما تمر به البلاد من أزمة اقتصادية خانقة، والوسيلة التي تمكننا من تجاوزها والسبيل المنطقي الذي يدفع بنا نهوضا قولا وفعلا باتجاه الإصلاح الحقيقي، بعيدا عن الشعارات؟!!.
    أجمع المتحاورون على أهمية النهوض بالعمل الحزبي كأساس لإصلاح سياسي منشود، ولكن ظهرت في ثنايا الحوار أسئلة محقة برأي أصحابها حول قدرة الأحزاب على صنع الفارق، والتأسيس للإصلاح المنشود.

    شخصيا، أجزم بقوة أن الإصلاح السياسي بحاجة في المقام الأول لإرادة سياسية حقيقية تؤمن بالعمل الحزبي باعتباره الرافعة الأساسية للإصلاح المنشود، وأنه لا يمكن بناء إصلاح حقيقي دون حياة حزبية حقيقية لا تصيد لها ولا عراقيل أمامها.

    نظريا، ما زالت حكوماتنا المتعاقبة تتحدث عن حياة حزبية ولكن دون أن يكون لذلك تطبيق فعلي على أرض الواقع، ودون أن نمنح الأحزاب حرية الحركة ودعمها ليس بالمال فقط وإنما بتذليل الظروف اللوجستية لتمكينها من النهوض والعمل بين صفوف الشباب والطلاب.

    عمليا وواقعيا، ما زال مفهومنا عن العمل الحزبي يحكمه إرث الماضي، وهذا الإرث شيطن الأحزاب والمتحزبين، وكان الانضمام للحزب تهمة يجب نفيها فورا والتبرؤ منها ونبذ القائمين عليها باعتبارهم معادين للدولة بكل مكوناتها المختلفة.

    واستمر هذا التفكير عند أطراف مؤثرة في الدولة رغم أن التحول الديمقراطي والعمل الحزبي العلني شارف على الثلاثين من العمر، ولكن البعض وهم مؤثرون في مفاصل الدولة لم تتغير نظرتهم للأحزاب، واستمرت نظرة العداء إليها ومقاومتها، ورفض وجودها، وليس هذا فحسب بل وضع العراقيل في طريق نموها.

    أولئك لا يريدون تطوير الحياة الحزبية لأنهم ببساطة يريدون بقاء الحال كما هو عليه، ويعرفون أن العمل الحزبي في حال تطور من شأنه نقلنا من مكان إلى آخر، وهذا يعني الانتقال بالدولة ككل إلى دولة المؤسسات والقانون وسيادته وتعزيز فكر المواطنة، فوجود أحزاب دون وضع عراقيل لها هو بداية طريق حقيقي للإصلاح، وتعزيز فكرة الدولة الحديثة التي تقوم على الشفافية ونبذ الطائفية والإقليمية والجهوية.

    إذن، تطوير العمل الحزبي لا يأتي بالوعود والأمنيات ولكنه بحاجة لقرار سياسي حقيقي، وفتح المجال للأحزاب للنمو بين صفوف الشباب والطلاب دون حواجز، ودون مساءلة المتحزبين، وتقزيم الأحزاب بقوانين وأنظمة لا تؤمن للأحزاب نموا حقيقيا فاعلا يمنح تلك الأحزاب حق الوجود دون تندر عليها، و ملاحقة منتسبيها، أيعقل أن نقول دوما أننا مجتمع فتي وشاب ونمنع الطلاب من حق الانتساب للأحزاب وحتى وإن سمح لهم يبقى دوما الخوف هو المسيطر على العقول من خطر الانخراط في العمل الحزبي.

    أنا ضد الحديث المتكرر عن عدد منتسبي الأحزاب وأنهم يمثلون أعدادا ضئيلة في المجتمع، وأنها تفشل في الانتخابات النيابية والبلدية واللامركزية باستثناء حزب وحيد، فكل ذاك يأتي في إطار تنفير الناس من العمل الحزبي وإبعادهم عنه، وترك الأحزاب بلا قاعدة جماهيرية حاضنة، أمام ذاك كيف تحصل الأحزاب على قاعدتها الجماهيرية وحضورها ولم يتم منحها الحق في العمل بالشكل الذي يوصلها لأهدافها؟ وما زلنا نتعامل معها كديكورات تجميلية فقط دون السماح لها بالتوسع بين جماهير الناس.

    لسنا بحاجة لخاتم سليمان لكي نؤسس لعمل حزبي حقيقي وإنما نحن بحاجة لإصلاح حقيقي وهذا الإصلاح يحب أن يبدأ بتعزيز الحياة الحزبية وصولا إلى تمكين تلك الأحزاب من تشكيل حكوماتنا المقبلة ووضع خطط برامجية يتم محاسبة الحكومات الحزبية عليها.





    [05-12-2018 08:59 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع