الرئيسية أحداث محلية
أحداث اليوم - محمود الشرعان - "لم أكن أعلم أن الزواج من رجل يكبرني بـ13 عاما، رغم أنني لم أبلغ الـ17 من العمر، سيجعلني ضحية".
هكذا تلخص الأردنية ميسون محمد تجربتها التي وصفتها بـ"المريرة"، إذ لم يدم زواجها طويلا، بسبب الخلافات التي قادت للطلاق، و"الهرب من الواقع المخيف"، على حد تعبيرها.
فارق صارخ
وتروي ميسون تفاصيل قصتها"لم ترق لي فكرة زواجي من رجل يكبرني بجيل كامل، وأنا في سن صغيرة، إلا أن ضغوط العائلة، ونظرة المجتمع، وعدم توفر فرص عمل بمهنة الخياطة، تكالبت عليّ مجبرة إياي على القبول، رغم أن زواجي لم يستمر لأكثر من سنتين".
وكانت الظروف حالت دون متابعة ميسون لتعليمها الثانوي، حيث شرعت بتعلم الخياطة، لعلها تحقق شيئا أحبته من خلالها، بيد أنها صدمت بالمصير الذي ينتظرها، وينتظر من لم يكملن تعليمهن من الفتيات، حتى وإن كُنَّ غير راغباتٍ به، والمتمثل بـ"الزواج".
تجارب "مريرة"
لا تلبث ميسون تصف تجربتها التي خاضتها بالـ"مريرة"، فاختلاف الأفكار بينها وبين زوجها قادها لعدم القدرة على التأقلم معه، بالإضافة لتعرضها للعنف الجسدي فترة طويلة، مما قادها للطلاق.
لم تكن ميسون الوحيدة التي مرت بهذه التجربة، فعشرات الفتيات في المجتمع الأردني لديهن قصص مشابهة يخفينها بلا توثيق كامل من قبل مؤسسات المجتمع المدني، حماية لهن، وخوفا من نظرة المجتمع للمطلقة، وفقا لحقوقيين.
الأرقام تتكلم
من ناحية أخرى وبلغة الأرقام، فقد بلغت نسبة زواج من هن فوق 15 عاما ودون الـ 18 في الأردن لعام 2017، 13.4% من مجمل حالات الزواج، بعدد 10434 فتاة، حسب التقرير الإحصائي لدائرة قاضي القضاة.
وأظهر التقرير أن المملكة تشهد يوميا تسجيل 213 عقد زواج من ضمنها 29 حالة لزواج مبكر (18-15 عاماً)، كما يشهد تسجيل 71 حالة طلاق، من بينها 15 حالة طلاق مبكر.
القانون الأردني، حدد عمر 15 عاما كحد أقصى لفارق العمر بين الخاطب والمخطوبة، غير أن الإحصاءات تؤكد وجود 220 عقد زواج تجاوز فارق العمر فيها 17 عاما، خلال العام الماضي.
القوانين والأهل
ويوضح دكتور علم الاجتماع عزمي منصور أن الخلل الأول في الزواج المبكر يعود للقوانين والتشريعات التي تسمح بزواج القاصرات، أو زواج رجل من فتاة بوجود فارق عمري يصل إلى 15 عاما. ويحمّل منصور، خلال حديثه للجزيرة نت، المسؤولية الأكبر لأهل الفتاة الذين يوافقون على الزواج، رغبة بالتخلص من "همّ البنت"، كما قال، معتبرا إياها ثقافة عربية متجذرة ويجب تغييرها، "لأن بقاءها يعني وجود أسر مفككة داخل المجتمع لا يمكنها بناء جيل".
هل رفع النواب سن الزواج؟
في السياق ذاته، أقر مجلس النواب الأردني، مؤخرا، ضمن مشروع قانون المؤقت للأحوال الشخصية لعام 2010 سن زواج القاصرين لمن بلغ سن 16 عاما بحالات مستثناة، والبقاء على نص يحدد سن الزواج الرسمي بـ18 عاما، رغم تعالي أصوات حقوقية ومدنية، تطالب النواب بالعودة عن قرارهم.
في حين يؤكد المدير التنفيذي لجمعية معهد تضامن النساء الأردني منير دعبيس أن "تعديل النواب لم يرفع سن الزواج من 15 إلى 16 سنة، وإنما أبقى عليه كما هو، حيث أن من أتم 15 عاما ويوم، يعتبر بلغ (16)".
ويطالب دعبيس بتوحيد المصطلحات القانونية في التشريعات، حيث لم يتجاوب النواب مع المطالب الداعية إلى إلغاء الاستثناء بشكل كامل، فإن الدعوة قائمة على استخدام كلمة "أتم" السادسة عشرة سنة شمسية بدلا من "بلغ".
تعليمات مقيدة
وتفرض دائرة قاضي القضاة منذ أغسطس/آب الماضي، تعليمات محددة ومقيدة لتزويج من هم دون 18 عاما، إذ تجيز زواج من أكمل 15 ولم يكمل 18، لضرورة تقتضيها المصلحة.
وتشترط التعليمات بشأن إذن الزواج مراعاة أن يكون الخاطب كفؤا للمخطوبة، وأن يتحقق القاضي من الرضا والاختيار التأمين، ويتوجب على المحكمة التأكد من الضرورة التي تقتضيها المصلحة، وما تتضمنه من تحقيق منفعة، أو درء لمفسدة، وبما تراه مناسبا من وسائل التحقق، على ألا يتجاوز فارق السن بين الطرفين 15 عاما.
رفض حقوقي
وترفض المستشارة القانونية في اتحاد المرأة الأردنية، المحامية هالة عاهد تزويج القاصرات، بوصفه "واحدا من أبرز أشكال العنف ضدهن، ولأنه انتهاك لإنسانيتهن وطفولتهن ويعرضهن لتهديد صحتهن الجسدية والنفسية، ويحرمهن من فرص التعليم والعمل اللائق لاحقا".
وتشير عاهد خلال حديثها إلى أن قانون الأحوال الشخصية هو من أكثر التشريعات "تمييزا" ضد النساء، كما يتضمن تناقضا من حيث أهلية المرأة في الزواج، وذلك عندما استثنى زواج القاصرات بعمر 15-18 سنة وأهلية اتخاذها القرار بالقبول أو الرفض.
مطالب مخالفة للشرع الإسلامي
وترد البرلمانية هدى العتوم على حديث عاهد بأن نسبة زواج الفتيات لمن هن دون 18 عاما لم تصل إلى 14%، وهي نسبة صغيرة، ولا يوجد بالشرع الإسلامي أو القانون الأردني ما يسمى بـ"زواج القاصرات".
وتقول العتوم إن الشرع أباح الزواج، ثم جاء القانون أجاز ولم يلزم، وتتساءل "لماذا تريد مؤسسات المجتمع المدني تضييق الخناق طالما الشرع والقانون سمحا بذلك".
وترفض البرلمانية منع الاستثناء في حالات الزواج لمن هن دون 18 عاما، كما ترفض رفع سن الزواج لمن أتمت 18 عاما، لأن ذلك يخالف التشريع الإسلامي الذي أباح زواج الفتاة عند بلوغها، على حد وصفها. (الجزيرة نت)