الرئيسية مقالات واراء
تداول نشطاء أمس، على مواقع التواصل الإجتماعي، صورة لعامل وطن وهو يقف على الزجاج الخارجي، لأحد المقاهي في عمان الغربية، حاملا (المكنسة).. وكل برد عمان، ويتابع بشغف مباراة المنتخب الوطني.
كان واضحا من الصورة، أنه يضع (الطاقية) ويلف منديلا على رأسه وربما يحمل (سطلا) لجمع الأكياس والأوراق المتناثرة على الرصيف، وكان واضحا أيضا أن البرد استوطن عظامه، لكن حماسه الوطني وشغفه بلعبة كرة القدم جعله ينسى البرد وتعب الشوارع ورجفة اليد والعمر الموزع بين القلق والقلق.
عامل الوطن هذا.. تجاوز الليبرالية بكثير، فالليبرالية في الأردن تنتج الثرثرة بالمقابل هو ينتج نظافة الشوارع والرضى، وأكبر رصيد يملكه الإنسان في هذه الحياة هو الرضى، وعامل الوطن هذا تجاوز اليسار.. على الأقل حين يحمل (المكنسة) ويبدأ عمله لايميز.. بين يمين ويسار ولا وسط، بل ينظف كل تفاصيل وزوايا الشوارع، وأظنه ينظفها من الالاثام.. قبل الأوساخ.
وعامل الوطن هذا.. تجاوز بعض المتاجرين، بالسفارات.. بعض الذين أسسوا جمعيات ممولة تحت اسم (ان جي أوز).. ونبشوا كل عوراتنا.. تحدثوا بقضايا الشرف، تحدثوا عن المرأة وصوروها ضحية.. عن الختان، عن كل شيء يمس التراب قبل الوجدان.. على الأقل عامل الوطن هذا لايتعامل مع السفارات، هو يصون الأرصفة والجدران ويحمي الذكريات التي مرت عليها.. ويتتبع خطى من عبروا، وهو يحفظ الزواريب والدخلات وأرقام البنايات وأسماء الشوارع، في حين أنهم يعرفون من الأردن أرقام (الفلل) وعناوين السفارات، وأسعار الطعام في الفنادق الفاخرة.
وهو يعرف الله أكثر من تجار الدين، الذين احتوتهم الفضائيات.. وخرجوا عبرها كمحللين ومنظرين وخبراء في التنظيمات الإرهابية، هؤلاء من تجارتهم بالدين صعدوا سلالم المال والسفارات والمناصب.. لكن تجارة عامل الوطن كانت الرضى، وأن العمل عبادة.. وأن العيب سلعة تالفة لا تدخل في موازين أفعاله.. لهذا هو يعرف الله أكثر منهم، وبدلته الخضراء وإن كانت متسخة بفعل العمل إلا أنها أطهر من أكفهم وضمائرهم..
هؤلاء هم كبار البلد، هم كرامتنا، هم الرصيد الحقيقي من الرضى.. هم الذين يتمتعون بروح وطنية، لاتكذب ولاتزيف ولا تدعي..
ربما الصورة التي نشرت أمس، كانت تعبيرا صادقا عنا.. لقد عبر هذا الرجل عنا جميعا.