الرئيسية مقالات واراء
صعب من الكتابة، وأصعب من الشوق واللهفة.. وأصعب من العمر حين ينهي إبني الأصغر الحمام، ويأتيني كي أقص له أظافر يديه.. أمس فقط أحسست بمعنى الحب. أجلسته في حضني، واكتشفت أن الأمر يحتاج لاستعمال نظاراتي.. ومسكت المقص وبدأت بالإبهام ، هو لا يعي قلقي وخوفي.. كان يتأمل التلفاز وأنا كنت أقص الإظفر.. وأبتعد عن اللحم قليلا، خوفا من أن أقضم قليلا من جلد الإصبع.. لقد وقفت في حياتي أمام القضاء، وتم أخذي للسجن، ودخلت (زنازينا) انفرادية.. وواجهت في لحظة من العمر، شوك الدروب وهو يمزق روحي قبل الجلد، وفقدت أهلا ومحبين وأصدقاء طواهم العمر.. لكن لم أخف مثل خوفي على إظفر ياسر أصغر أولادي. كانت يدي ترتجف، ويثبتها الحب.. والأصابع الصغيرة البيضاء، كأنها منسوجة من غيم ، لا يمر إلا فوق بلاد طاهرة، ولا أعرف كيف تحولت عيني لمسطرة تقيس الملميترات.. وبعد كل إظفر كنت أقصه، أنثني بفمي إليه وأقبله.. وكأني قبلت نجمة الضحى. أمضيت نصف ساعة، وأنا أقص أظافره الجميلة، وأداعب خصلتين من الشعر تمردتا على الجبين الأغر.. وأنفخ دون شعور من روحي على الإصبع.. وحين أنهيت تفقدت كل أصابعه
وحمدت ربي أن المقص لم يقضم من الجلد شيئا.. وأن الحب كان سيد الموقف. أنا لم أؤمن بالليبراليين يوما ولا باليساريين ولا بالتكنوقراط ولا بالديجتال كحالات في وطني.. أنا أؤمن فقط بالحب الذي يتولد في قلبي وأنا أقص أظافر ياسر إبني الأصغر.. فهو وطني وملاذي.. وكل ما أبتغيه من العمر أن لا يأتي زمن عليك يا ولدي، ويقضمون بعضا من لحم إصبعك حين تكتب مقالا أو ترفعه للتشهد في الصلاة، أو تلوح به رفضا لأمر أو خطب. كل ما أريده هو وطن حنون عليك مثلي فقط.