الرئيسية أحداث محلية
أحداث اليوم -
لم تتردد الثلاثینیة أمل بمرافقة خطیبھا الى مركز الإدمان والتأھیل الحكومي في شفا
بدران لتلقي علاج مجاني یخلصھا من إدمانھا على المشروبات الكحولیة التي استوطنت جسده منذ
نحو 20 عاما.
لم تكن مھمة أمل- اسم مستعار- سھلة لإقناع خطیبھا بأن یبدأ مرحلة العلاج، لكنھا أصرت قبل أن
تدخل إلى قفص الزوجیة بثوبھا الأبیض ”أن یكون مھرھا انسانا یتحكم بعقلھا وجسدها“.
ینقطع خطیب أمل 60 یوما فقط عن العالم الخارجي، ھي مرحلة علاج ناجعة تخلصھا من الإدمان
على الكحول، ثم لتبدأ الرعایة اللاحقة لتلافي أي انتكاسة جدیدة، في ظل وجود محفزات خارجیة
تشجع المدمن على الولوج مرة اخرى، الى متاھات الادمان القاتل.
”نعم اخفیت عن الجمیع ادماني، وراوغت كثیرا لكن في النھایة خضعت بإرادتي لعلاج یؤھلني
لتكوین أسرة مبنیة على المحبة والتفاھم“، یقول خطیب امل ، متأملا ”ألا تلتصق بھا أي
وصمة مجتمعیة تلاحقھ وأطفالھ مستقبلا“.
اثناء مرحلة العلاج، تعمل أمل على إقناع أسرتھا أن خطیبھا ”یعاني من مرض مزمن قابل للشفاء
یتوجب دعمھا ومساندتھا بدلا من إنھاء علاقتھا معھا“، وفي المقابل، كانت تراھن على ارادتھا
وتصمیمھا لإنھاء ھذا ”الكابوس الیومي“ من خلال علاج ناجع من قبل أطباء مختصین في ھذا
المجال.
تقدر نسبة المدمنین على الكحول في المركز بحوالي 32 % فیما تتوزع النسب الاعلى على إدمان
المخدرات، بحسب مدیر المركز الوطني لتأھیل المدمنین د. جمال العناني.
بحثت أمل طویلا، عبر محركات الشبكة العنكبوتیة لمعرفة طریق العلاج المجاني لكن بسریة تامة،
وسط قصور حكومي ومجتمع مدني لتبني ھذه القضیة، وتصمیم حملات توعویة تستھدف شبابا
وقعوا في شراك الإدمان على الكحول والمھدئات الطبیة مقارنة مع حملات لمكافحة الإدمان على
المخدرات ومكافحة التدخین.
أماكن العلاج ”غیر معروفة“
یفقد عشرات المدمنین من الشباب فرصتھم في العلاج بسبب عدم معرفتھم بأماكن العلاج المجانیة
التي ستحدد لھم حجم المشكلة الصحیة والاجتماعیة والاقتصادیة وتفاصیل تشریعات قانونیة سنت
لحمایتھم.
وبحكم قانون المخدرات والمؤثرات العقلیة المادة (9 (لا تقام دعوى الحق العام على من یتعاطى
المواد المخدرة والمؤثرات العقلیة او یدمن علیھا إذا تقدم، قبل ان یتم ضبطھ، من تلقاء نفسھ او
بواسطة أحد اقربائھ الى المراكز المتخصصة للمعالجة التابعة لإدارة مكافحة المخدرات أو لأي
جھة رسمیة طلبا للعلاج.
استقبل المركز منذ 18 عاما، منذ تأسیسھ حوالى 7548 مدمنا، و 221 مدمنة ابدوا رغبتھم في
العلاج المجاني للإقلاع عن كافة المؤثرات العقلیة والمواد المخدرة، بحسب احصائیاتھ الرسمیة
الموثقة، ومع ذلك، تعتبر ھذه الأرقام ”متواضعة“ ما یتطلب اعادة النظر باستراتیجیات التوعیة
الصحیة والامنیة، بحسب خبراء.
تختلف قصة سائد عن رفقائھ في المركز، حیث بدأ تجربتھ مع الكحول مبكرا قبل أن یصل السن
القانوني. ترك مدرستھ وبدأ یعمل في ”كراج“ لتصلیح السیارات برفقة والده في إحدى المناطق
الشعبیة حیث كانت الجرعة الأولى.
”كنت اشرب كل انواع المشروبات الكحولیة عشان أعمل جو وكیف، وبعدھا تحولت إلى مدمن
وأصبحت أشرب لیترا كل یوم“.
تكرر ھروب سائد من المركز إلى احضان المشروب بعد 15 یوما من العلاج. ثم عاد مرة اخرى
وقضى 45 یوما، وھرب مرة ثانیة للاستمتاع بمشروبھ الصباحي والمسائي الذي سیطر على
تفاصیل حیاتھ الیومیة وسط محفزات من أصدقائھ ومحلات توفر ”المشروب“ على مدار الساعة.
تزوج الثلاثیني سائد قبل أربع سنوات وأنجب ثلاثة اطفال ھم بعمر الورود الآن، وبدأ یخطط
لمستقبل جمیل لھم، لكن ھذا لن یتحقق الا إذا أكمل علاجھ دون انقطاع.
یعمل مركز علاج المدمنین على متابعة النزلاء الذین أنھوا الفترات العلاجیة والتأھیلیة خوفاً من
الانتكاسات حیث یطلب منھم مراجعة المركز مرتین أسبوعیاً وفي حالات الخوف من الانزلاق مرة
اخرى في الانتكاسة یعاد إدخالھم للمركز من جدید لمنع عودة ھذه الانتكاسة. حسبما أشار العناني.
تقدر نسبة نجاح المدمنین في العالم بحوالي 15 ،% وفي الأردن 7 % وسط دعم وتشجیع اسري
لمساعدتھم في التخلص السمیة وإعادة التأھیل: النفسي والجسدي والدیني.
60 یوما انقطاع عن العالم الخارجي
وفي حال تعرض المریض لھفوة او نكسة ثانیة بسبب ضعفھ أمام مغریات واجواء الكحول یسمح لھا
بالعودة للمركز لتأھیلھ مرة أخرى، كما حدث مع الأربعیني عمار- اسم مستعار-.
بحزن ممزوج بالفرح، یروي عمار رحلتھا مع الادمان على الكحول بعد أن خسر تجارتھا وابتعد
عن تفاصیل حیاة أطفالھ وزوجتھ التي حاولت جاھدة لم شمل اسرتھا طیلة علاجھ وانتكاساتھ
المتكررة.
تعھد عمار أمام أطباء بعدم العودة الى المركز بعد انتكاستھا الثانیة اثر اجواء احتفالیة بأعیاد المیلاد،
قائلا ”لن أزور المركز الا للمراجعة وصولا للشفاء التام“.
ویحتاج المدمن في المركز الوطني الذي یتسع لـ 60 مدمنا ومدمنة، الى 6 أسابیع للتخلص من
السموم بعد الانقطاع الكامل أو التدریجي عن المادة المتعاطاة حسب ما یقرره اطباء واخصائیو
المركز، وفق جمال العناني الذي أكد أن ”ادمان الكحول أشد خطورة من المؤثرات العقلیة الاخرى
بسبب الأعراض الانسحابیة الجسدیة والنفسیة التي تظھر في حال الانقطاع فجأة او التخفیف من
المشروب الذي یسبب نوبات صرع وھذیان ارتعاشي“.
وحسب العناني، فإن 9 % من المدمنین على الكحول یصابون بالھذیان الارتعاشي بسبب الانقطاع
الفجائي عن ”الكحول“ حتى وإن كانوا تحت العلاج.
ستة آلاف دینار تكلفة علاج المدمن الشھریة
”اصدقائي ھم سبب ادماني. كانت من باب التجربة وتعلقت بھا“، یقول الشاب الثلاثیني ربیع الذي
جاء الى عمان بحثا عن مركز علاج یخلصھا من سموم تسربت الى دمھا منذ أكثر من خمس
سنوات.
”المشروب یخلصك من مشاكلك الخاصة“، ھذه شیفرة الدخول الى عالم الإدمان، لكنھا بعد أن وقع
في شراكھا أدرك ربیع أن كل ھذا ”وھم، انت تضحك على نفسك، بل تزید المشكلة“.
خسر محلھا ومصدر رزقھ، وتفجرت المشاكل مع أھلھا بسبب سلوكیاتھا الانفعالیة، حتى تدھورت
صحتھا: تعب مستمر، عدم توازن، تعرق شدید، و ”انقلبت حیاتي رأسا على عقب فأیقنت انني
مدمن“، بحسب تعبیره.
لم یتزوج ربیع اسم مستعار حتى الآن، لكنه یفكر جدیا بھذه الخطوة بعد استكمال علاجه ویؤكد أنه
سیعود لمزاولة مھنته التي كانت تدر علیھ دخلا شھریا جیدا.
”الرغبة الشدیدة لدى المدمن بتناول الكحول قد تؤدي الى تفسخ أسري، وفي فترة العلاج وبعدھا
یحتاج لدعم اجتماعي“ وفق استاذ علم الاجتماع د. حسین الخزاعي الذي أكد أن ”ھذه
العادة تحولت الى ظاھرة في مجتمعنا، بخاصة بین الیافعین“.
ویحذر الخزاعي من تجاھل المسؤولین لأھمیة وضع التدابیر اللازمة للحد من انتشار تعاطي
الكحول الذي قد ینتج عنھا ”شغب وجرائم ترتكب تحت تأثیر الكحول، الى جانب ارتفاع الكلف
العلاجیة على الدولة من الادمان والعبء الناجم عن الأمراض الأخرى مثل السل (التدرن) والإیدز
والاضطرابات النفسیة وتلیف الكبد والسرطان“.
یتعامل المركز مع مصابین بالإدمان ”بسریة تامة“، مطبقا نصوص قانون الصحة العامة، بحسب
العناني الذي اشار الى أن الحكومة تقدم العلاج للأردنیین مجانا، إذ تبلغ التكلفة الفعلیة لإقامة
مریض في الیوم الواحد حوالي 200 دینار شاملة كلفة الخدمات الصحیة النفسیة والاجتماعیة، في
حین تتقاضى بعض المستشفیات الخاصة آلاف الدنانیر لعلاج مدمن واحد.
حصر بیع ”الكحول“ في المناطق السیاحیة
یعتبر الناشط الاجتماعي جھاد إبراھیم رئیس جمعیة الإغاثة والتمكین المجتمعي أن تعاطي الكحول
لم یحظ باھتمام أصحاب القرار من حیث التشریع والتثقیف، واصفا ”قانون ”المؤثرات العقلیة بأنھا
غیر رادع لمتعاطي الكحول الا في حالات اقترانھا بالشغب او القیادة“.
”انتشار أماكن بیع المشروبات الكحولیة في كل مكان یشجع الشباب على التجربة الاولى والادمان“
یقول ابراھیم، مطالبا بإلغاء تراخیصھا او حصر بیعھا في الفنادق السیاحیة.
من جھتھا، ترفض رئیسة جمعیة مكافحة التدخین الدكتورة لاریسا الور وجود تقصیر في دور
المجتمع المدني التوعوي، بعد إحباط حملات لناشطات مؤخرا من أجل نشر التوعیة بمخاطر القیادة
تحت تأثیر الكحول والسلامة المروریة.
وجاء الرفض من الجھات المعنیة، وفق الور، إلى ”أن افراد المجتمع الأردني لدیھا وازع دیني
واخلاقي یمنعھا من تعاطي الكحول“، غیر أنھا ترى أن ”إنكار وجود ھذه الظاھرة یفاقم من المشكلة
اجتماعیا“.
ووفقاً للدراسات العالمیة، فإن 39 % من مجموع وفیات حوادث المرور سببھا القیادة تحت تأثیر
الكحول، وكإجراء قانوني یتم حجز الرخص اثناء القیادة تحت تأثیر المخدرات أو المؤثرات العقلیة
أو المشروبات الكحولیة بنسبة تزید عن الحد المسموح لتركیز الكحول بالدم.
ومن الإجراءات المجربة عالمیا اقترح ابراھیم ”زیادة الضرائب المفروضة على المشروبات
الكحولیة، وحظر الإعلان عنھا وتقیید أماكن تواجده“.
وفیما تمكن سائد وعماد وخطیب أمل الوصول الى المركز للعلاج، یرفض زوج ام معتصم الإقلاع
عن تناول الكحول یومیا لدرجة ینفق مصروفھم الیومي لـ ”تعدیل مزاجه“.
بحرقة شدیدة، تعبر ام معتصم عن معاناتھا بقولھا ”یلملم زوجي الخردة وعلب المشروبات
الغازیة لیحتسي بأثمانھا مشروبات كحولیة. أدمن علیھا“ وفوق كل ذلك ،“اتحمل ضربا مبرحا اذا
طالبتھ بمصروف لإطعام اولادي الاربعة الصغار“.
حولت المشروبات الكحولیة حیاة الثلاثینیة ام معتصم من سكان عمان الشرقیة الى ”كارثة اجتماعیة
واقتصادیة“، حیث باتت تعیش على جمع الخبز الناشف وبعض ما یجود علیھا المحسنون لشراء
كسوة تقیھم البرد القارس، بینما وجد ابنھا البكر (11 عاما) في بیع العلكة بعد انتھاء دوامھ
المدرسي متنفسا للھروب من ضرب والده لھ.
ابو معتصم ینكر باقتضاب وبعصبیة انه یتعاطى الكحول ”وزوجته كذابة“، ویعمل بالخردة
حتى ینفق على اسرته“.
شابات یدمن ھربا من مشاكلھن
یؤكد الدكتور الخزاعي انتشار تعاطي الكحول بین الفتیات وبخاصة الطالبات الجامعیات، الامر
الذي یستدعي اعادة النظر بالاستراتیجیة التوعویة الصحیة المتعلقة بقضایا الادمان على المخدرات
والمؤثرات العقلیة جمیعھا.
وفیما تتجھ فتیات الى موت محقق بإدمان المخدرات، تجد اخریات في احتساء الكحول منفذا للھرب
من مشاكل اسریة او عاطفیة.
الشابات اللواتي التقتينا بهن یرفضن جملة وتفصیلا انھن وصلن مرحلة الإدمان على الكحول،
غیر أنھم یجھلن وجود مراكز علاجیة، ویصطدمن بجدار المجتمع والاسرة والوصمة المجتمعیة
وتبریر انقطاعھن عن المنزل لمدة 60 یوما ومحاولة الاھالي عدم اخضاع بناتھن للعلاج خوفا من
المجتمع، على الرغم من أن كل الحالات یتم التعامل معھا بسریة تامة، بحسب ما یقول العناني،
مشیرا الى أن ”الأردن یواجھ مشكلة تعاطي المواد المؤثرة عقلیا وخاصة لدى الفئة المنتجة في
المجتمع والتي تتراوح أعمارھم بین 20 – 45 عاما“.
تحذیرات ”اممیة ”من تعاطي الكحول
فیما كشفت دراسة علمیة حدیثة أشرف علیھا باحثون أمیركیون، أن ”60 % من المشروبات
الكحولیة تحتوى على مواد كیمیائیة قاتلة یمكن أن تسبب العمى وحتى الموت“، حذر أحدث تقریر
أصدرتھ منظمة الصحة العالمیة العام الماضي من تفاقم مشكلة تعاطي الكحول بعد أن أودى بحیاة
أكثر من 3 ملایین شخص العام 2016 ،أي بواقع وفاة واحدة من بین كل 20 وفاة، استأثر الرجال
بأكثر من ثلاثة أرباعھا، داعیة الدول الأعضاء الى اجتراح حلول مبتكرة لإنقاذ الأرواح، مثل
فرض الضرائب على الكحول وتقیید الإعلان عنھا.
(الغد)