الرئيسية أحداث محلية
أحداث اليوم - جلال أبو صالح - عمان - ينبثق عن التوسع بفرض الإقامة الجبرية، وما يصاحبها من إجراءات، اضرار مجتمعية ونفسية يدفع الأفراد التي تفرض عليهم تلك العقوبة ثمنها غالياً.
أحمد (30 عاماً)، أحد هؤلاء المتضررين، لم يحظ بفرصة الحياة الطبيعية بعد خروجه من السجن مؤخراً، ليجد نفسه "رهين" الإقامة الجبرية، والتي يصحبها التوقيع إلزامياً في المركز الأمني التابع لمنطقته السكنية مرتين في اليوم، ويمنع من الخروج بعد مغيب الشمس.
وتعتبر "الإقامة الجبرية" إحدى العقوبات المُقيدة لحرية الأفراد ومن شأنها عدم تحقيق هدف الإصلاح والتأهيل المنشود، في وقت تعمل جهات إنفاذ القانون على تحقيق الردع من وراء تطبيقها وتحديدا لأولئك المكررين للجرائم غير الجنائية.
"العقبة الأولى" حسب قول أحمد (أسم مستعار)، هي "بعدم تحمل صاحب العمل خروجه المتكرر من عمله للذهاب إلى المخفر حتى يوقّع"، موضحاً أن "ذهابه للمخفر، بشكل يومي يهدد رزق أطفاله، عدا ان يومه يضيع كاملاً دون فائدة تذكر".
"تخيل نفسك في طابور بشري كبير، فيه الصالح والطالح، والكل يصرخ عليك على الطالعة والنازلة، وتسمع بهادل من أول ما تدخل المخفر لحد ما تطلع منه، غير أنك تظل واقف لساعة وأحيانا لساعتين تنتظر دورك"، حسبما يصف أحمد حاله عند ذهابه للتوقيع.
الإقامة الجبرية: إضرار عام
مفوض الحماية بالمركز الوطني لحقوق الإنسان عاطف المجالي، يعتبر أن الإقامة الجبرية "مخالفة صريحة" لمبدأ الشرعية في قانون العقوبات، والذي يمثل المظلة العامة للقوانين جميعها.
كان المركز الوطني، قد تلقى خلال العام 2018، 47 شكوى من مواطنين، متعلقة جميعها بهذا الإجراء.
ينظر الوسط الحقوقي إلى هذا الإجراء على أنه عقاب للشخص مرتين على فعلته، داخل السجن وخارجه، ويقول المجالي أن هذا الاجراء "غير قانوني" من حيث عدم موافقته والمواثيق الدولية، ويعتبر تعديا على حرية الإنسان وكرامته.
المادة الثالثة من قانون منع الجرائم، تجيز للحكام الإداريين (التابعين للسلطة التنفيذية) صلاحية التوقيف وفرض الإقامة الجبرية على الأشخاص، ما يعني، كما يفسر المجالي "خروجاً على مبدأ هام من المبادئ التي تقوم عليها الدولة القانونية والتي يعتبر ضمانة هامة من الضمانات الدستورية لحقوق الإنسان، وهو مبدأ الفصل بين السلطات".
"للحاكم الإداري، إذا كان لديه ما يحمله على "الاعتقاد"، بوجود شخص في منطقة اختصاصه، في ظروف تقنع بأنه كان على وشك ارتكاب أي جرم، أو المساعدة على ارتكابه، اتخاذ الإجراءات القانونية المنصوص عليها في هذا القانون"، يقول المجالي.
يطالب حقوقيون بضرورة البحث عن بدائل للإقامة الجبرية ونقل تلك الصلاحية إلى السلطة القضائية، وقصرها على وجود حالة التكرار الجرمي في مجال الاعتداء على الأشخاص وتحديداً جرائم القتل وهتك العرض والإيذاء البليغ وجرائم السرقات الموصوفة (الجرائم الخطيرة) وفي حالة التكرار ايضاً، مع الأخذ بمبدأ ملائمة الإجراء الضبطي مع الخطورة الجرمية عند فرض الإقامة الجبرية.
يستذكر الشاب أحمد لحظة أن فرض عليه محافظ منطقته الإقامة الجبرية، ويقول "لا تكفي الفترة الطويلة التي قضيتها في السجن، حتى يطلعولي بالإقامة الجبرية.. عنجد الوضع زاد عن حده.. يعني لا يكفي الفقر والمشاكل اللي احنا فيها.. حتى كمان يجننونا ويعطلونا عن اشغالنا.. هذا الظلم بعينه!".
أحمد يفترض بأن الوقت قد حان للخلاص من معاناته، والعودة إلى ممارسة حياته بشكل طبيعي، وأنه لم يعد باستطاعته التعامل مع العالم الخارجي، خصوصاً أنه لاحظ في علاقاته مع جيرانه وأهله تغيراً واضحاً.
مشكلة أحمد، ومثلها المئات أو ربما الالاف، تطرح في المجتمع قضية مهمة، هي ضرورة تركيز الدولة على البعد التأهيلي للسجناء وتحضيرهم لإعادة الاندماج بالمجتمع بعد قضاء فترة العقوبة القانونية، بدلاً من فرض الإقامة الجبرية عليهم.
الإقامة الجبرية وانتهاكها للحقوق
يبدي المحامي في مركز عدالة للمعلومات القانونية، سالم مفلح، قلقا من الإقامة الجبرية، ويقول إن إلزام المفرج عنه (المذنب سابقا) بالإقامة، مخالفاً لما جاء في الدستور والمواثيق الدولية بـ"حق الإنسان في العمل والحياة والسفر".
المادة التاسعة من الدستور تؤكد على أنه "لا يجوز إبعاد الأردني من المملكة، ولا يجوز أن يحظر عليه الإقامة في جهة ما، ولا أن يلزم بالإقامة في مكان معين إلا في الأحوال المثبتة بالقانون".
يشير المفلح، خلال حديثه لـ"الغد"، إلى تعدي الحكام الإداريين على "اختصاصات القضاء"، مطالباً بإلغاء قانون منع الجرائم الذي يعطي بحد ذاته يعطي اختصاصات قضائية للحاكم الإداري.
ما طُرح سابقاً، تؤكده المحامية والناشطة الحقوقية هالة عاهد، لكنها توضح في حديثها لـ"الغد"، أن فرض الإقامة الجبرية على أشخاص أنهوا مدتهم القانونية في السجون، تعد مخالفة كبيرة، وبكل المعايير، بما أنها تشكل انتهاكا لحق الإنسان بالعيش والتنقل، كما تتعارض مع المواثيق الدولية التي دعت إلى احترام حق الأفراد في العمل وصون كرامتهم الإنسانية.
"هؤلاء المفرج عنهم خرجوا من السجن، وبالتالي أزيلت الصفة الجرمية عن أفعالهم، فلا يجوز تقييدهم والمساهمة في ترسيخ فكرة أنهم "مجرمون" أمام الرأي العام، وجعلهم كذلك "وصمة" اجتماعية، قد تنعكس آثارها سلباً على إعادة اندماجهم في المجتمع أو الحصول على فرص عمل"، تقول المحامية عاهد.
"منع الجرائم"، بحسب عاهد يمنح الحاكم الاداري صلاحيات واسعة يستطيع بموجبها توقيف اي شخص يرى انه يشكل خطرا على المجتمع، مؤكدة أن هذا القانون غير دستوري ولا يتقاطع مع الحريات الإنسانية المنادى بها أردنياً.
الحل بالإسوارة الإلكترونية
يسعى المشرعون لتعزيز فلسفة العقوبات البديلة، كحل نحو تخفيف عدد الموقوفين في السجون، وحفاظا على كراماتهم، وتجنبا لإلحاق الضرر بجملة من حقوقهم وتحديدا لمن لا يكررون الجرم.
والأردن، واحداً من تلك الدول الذي يسعى لإيجاد حلول بديلة، والتي من بينها استخدام الإسوارة الإلكترونية، ومن خلال عمل مشترك بين وزارتي العدل والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ومديرية الأمن العام.
ويلزم الموقوف وقتها على ارتداء الإسوارة الإلكترونية ويكون تحت المراقبة الإلكترونية بدلا من حجز حريته.
كان مجلس الوزراء قد وافق العام 2015، على البدء بتطبيق استخدام الاسوارة الالكترونية كبديل عن التوقيف القضائي.
وفقا لتصريح سابق لمدير مكتب الشفافية وحقوق الإنسان في مديرية الأمن العام العقيد عامر الهباهبة، فإن تطبيق الإسوارة "سيحقق ردعا مجتمعيا وستساعد على التخفيف من اكتظاظ السجون".
غير أن الأمن العام أكد أن "الاسوارة الالكترونية" ستكون مخصصة لمرتكبي الجرائم البسيطة وغير المكررين حسب قانون أصول المحاكمات الجزائية. بهدف "تحقيق ردع مجتمعي وكذلك منع اختلاطهم مع النزلاء الخطيرين".
وعاد المنسق الحكومي لحقوق الإنسان السابق باسل الطراونة، ليؤكد في تصريح إذاعي بأن العمل بالإسوارة الالكترونية لمتابعة المطلوبين تأتي بدلا من حجز الحرية.
وأعُلن عن بدء تطبيق الاسوارة الالكترونية، بعد نفاذ قانون أصول المحاكمات الجزائية؛ للسماح بتعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية وتضمين النصوص القانونية اللازمة لاستخدام الاسوارة الالكترونية، حيث سيتم التطبيق الفعلي لهذه التقنية بعد إقرار القانون المعدل ودراسة التعديلات على القانون، لتسريع إجراءات التقاضي وتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة لدى المحاكم، وفقا لتقرير إنجازات وزارة العدل المنشور على موقع رئاسة الوزراء الإلكتروني للعام 2016.
بحسب دراسة معمقة لجمعية الرعاية اللاحقة للسجناء وأسرهم حول أوضاع السجناء في الاردن، وحملت عنوان "صدمة الإفراج عن السجناء وإدماجهم في المجتمع"، فإن الحاجة "ماسة لتطوير وتهيئة فرص متنوعة للنزلاء، وتصميم برامج تعليمية مكافئة، واستحداث ما يسمى رد الاعتبار، أي إمكانية إسقاط السابقة الأولى عن السجين، الذي يرتكب الجنحة البسيطة لأول مرة، حتى لا تقف عقبة امام طريق اصلاحه وتوبته واندماجه بالمجتمع مجددا، بدلا من فرض الإقامة الجبرية عليهم".
لجنة الحريات العامة وحقوق الإنسان النيابية، كانت قد دعت على لسان رئيسها عواد الزوايدة، للحد من التوسع بفرض الإقامة الجبرية، الذي يؤدي إلى تشجيع الأشخاص على ارتكاب الجرائم ويولد لديهم الحقد على الحياة والناس، مؤكدا أهمية الابتعاد عن التعسف في استخدام السلطة وإعطاء فرصة للأشخاص الذين أنهوا مدة محكوميتهم حتى يتسنى لهم الاندماج والانخراط في المجتمع.
* أعد بالتعاون مع منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان JHR
(الغد)