الرئيسية صوتنا
أحداث اليوم - أحمد بني هاني - على وقع التسريبات التي تصلنا عن "صفقة القرن"، ينتفض الأردن اليوم لمواجهة الخطر المحدق به من كل حدبٍ وصَوب.
تحركات الملك عبدالله الثاني الأخيرة في المحافظات وزياراته للدول العربية لم تأتِ من فراغ، بل جاءت كردِ فعل لإبعاد المملكة عن أي خيار يستهدف تركيبتها الحالية.
مؤشرات وتسريبات "الصفقة" توحي بإقحام الأردن في خيار واحد لتصفية القضية الفلسطينية وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي الذي طال لسنوات على حسابه.
الخيار الوحيد الذي يحمله عرّاب "صفقة القرن" جاريد كوشنر لا يتضمن ما نادى به الملك خلال الـ 15 عاماً الماضية بإنشاء الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس على حدود 1967، الأمر الذي لن يقبله الأردن.
كلام العاهل الأردني في زيارته الأخيرة إلى محافظة الزرقاء شرقي المملكة واللقاء الذي جمعه مع القادة العسكريين كشف حجم الضغوط التي تتعرض لها البلاد، وتحديدًا في ملف القضية الفلسطينية والوصاية الهاشمية على المقدسات التي باتت مهددة في الأونة الأخيرة.
وما تضمنته اللقاءات كان تأكيد المملكة على حق الهاشميين في المقدسات والوصاية التي يعود تاريخها إلى عشرينيات القرن الماضي خير دليل، بيد أن ذلك يصطدم بالضغط العربي على الأردن لتسليمها، ومن أشكال ذلك وقف المساعدات المالية الخليجية عن البلاد إذ تتسم العلاقات خاصة مع السعودية والإمارات بالفتور.
ويبدو أن الفعاليات الشعبية والأحزاب والنقابات ومختلف المؤسسات في المملكة التفتت لتصريحات الملك وأدركت مدى خطورة ما يتعرض له الأردن من ضغوطات إقليمية ودولية.
كما وأصبحت تعي سوء النية التي يُبيتها العالم اليوم للمملكة باعتبارها خط الدفاع الأول عن المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين، وأيدت ما جاء به الملك الذي جدد التأكيد على أن هذا الملف خط أحمر للأردن ولن يسمح بتصفية القضية على حساب الأردن أو ما يسمى بالوطن البديل.
وموقف مجلس النواب، الثلاثاء الماضي، بشأن صفقة الغاز مع "إسرائيل" الرافض، أكد الموقف الثابت من التطبيع مع الاحتلال ورفضه بالمطلق مهما كلف ذلك من خسائر.
إلغاء الزيارة الأخيرة للملك إلى رومانيا بعد عزم رئيسة الوزراء هناك على نقل سفارة بلادها إلى القدس، والجولة التي يقوم بها حالياً إلى المغرب وإيطاليا وفرنسا تأتي في إطار الحشد العربي والدولي لمواجهة الشر الذي يراد إيقاع الأردن به.
وتسبق هذه التحركات إنعقاد القمة العربية الـ 30 في تونس، مطلع الأسبوع المقبل، التي تتناول العديد من الملفات العربية الساخنة ومنها القضية الفلسطينية واعتراف أميركا بالسيادة "الإسرائيلية" على الجولان المحتل.
اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالسيادة الإسرائيلية على الجولان كان ضربة موجعة لقرارت الأمم المتحدة والشرعية الدولية باعتبار الجولان محتلةً، الأمر الذي فاجئ الدول العربية بخطورة الوضع الراهن وجدية ترامب في تنفيذ القرارات التي يسعى لها.
ومن الملفات الخطيرة التي لا تفارق ذهن الرئيس الأميركي ما سيأتي بعد الانتخابات الإسرائيلية بتطبيق مشروع صفقة القرن، ما يدعم موقفه في حال نجاحه بذلك في الاتخابات الرئاسية الأميركية لولاية جديدة.
تحركات الملك بالفعل لم تأتِ من فراغ، واتسمت بالتأييد الشعبي له ولموقفه الثابت من القدس في مواجهة صفقة القرن والضغوطات الأميركية عليه بعد إدراك خطة إسرائيل لتأجيج المنطقة وإحكام السيطرة عليها فيما بعد.
ولعل صمود الأردن في وجه تداعيات هذا الخطر ورفض المشروع الأميركي قد يؤسس لمرحلة جديدة من الضغوطات الاقتصادية التي ستفرض على المملكة ما يستدعي منه إعادة هيكلة تحالفاته الإقليمية والعالمية.
وهو ما تسعى إليه المملكة من تحركاتها خلال الأشهر الماضية بعد فتح الحدود العراقية والسورية أمام الحركة التجارية واستيراد الغاز من العراق، والتحالفات مع تركيا وتونس وبعض الدول العربية التي أكدت التزامها بالدعم والتأييد السياسي والاقتصادي في مؤتمر لندن للأردن.
تحركات لم تعد خافية على أحد والمرحلة ازدادت صعوبة وتعقيداً بعد تأييد بعض الدول العربية -خفية- للحل الأميركي لإنهاء الصراع في الشرق الأوسط في منحى لم يكن متوقعاً بمسار التطبيع مع "إسرائيل"، وهو ما يجعل الأردن أكثر حرصاً ودقة ويقظة بالمرحلة الحالية.
وتتطلب هذه اليقظة الأردنية تحصين الجبهة الداخلية إزاء تداعيات هذا التحول الخطير ورفض كل المحاولات التي تنال منه، وهو ما دعى إليه الملك بعد الإلتفات إلى المشككين ومن "يضعون الكاز على النار"، فهل تدرك الدول العربية هذا الخطر وتنتفض مثلما انتفض الأردن على وقع "صفعة القرن"؟.