الرئيسية مقالات واراء
أحداث اليوم - يوآف ليمور - محلل سياسي "إسرائيلي" - تركت حكومة نتنياهو الرابعة للحكومة التي ستخلفها، حكومة نتنياهو الخامسة، وضعاً أمنياً مريحاً نسبياً، ولكن بضعة أوجاع رأس ومواضيع لا يمكن تأجيلها، وتحتاج الآن إلى معالجة وجواب مركزين. وهذه ستستخلص بقدر كبير من هوية وزير الدفاع الذي سيعينه: على افتراض معقول بأنه لأسباب ائتلافية وحزبية سيصعب على بنيامين نتنياهو أن يواصل الاحتفال بحقيبة الدفاع، مدى استقلالية الوزير الجديد سيبث مباشرة على طبيعة الجيش وعلى الطريقة التي سيواجه بها التحديات الأمنية في المنطقة.
غزة
بعد سنة عاصفة، وقبل لحظة من الانفجار، تحققت قبل نحو أسبوعين تهدئة في القطاع. حصل هذا بعد إطلاق صواريخ نحو غوش دان وموشاف مشميرت، واستنزاف يومي للجبهة الداخلية، وتطلب تدخلاً أجنبياً مكثفاً ـ مصرياً بالأساس، ومن الأمم المتحدة وقطر أيضاً.
مشاكل غزة عميقة جذرية، فالبطالة تناطح السحاب، والبنى التحتية في انهيار، واليأس في الذروة. حماس تخشى المواجهة، ولكنها تخشى شعبها أكثر، فثمة مؤشرات متزايدة من انعدام الارتياح والضائقة. وبغياب قدرة على إيجاد الحلول، من المعقول أن تعود قريباً إلى تحدي إسرائيل في محاولة لتقريب تسوية واسعة تتضمن إعادة تأهيل عميقة للقطاع.
ستوافق إسرائيل على ذلك شريطة أن تتضمن مثل هذه التسوية تجريداً من السلاح ـ خطوة مشكوك أن توافق حماس عليها، والبديل سيكون القتال ـ خطوة سيحاول الطرفان الامتناع عنها، ولكن مشكوك في أن يتمكنا من المواظبة على ذلك. نتنياهو فاز بأغلبية ساحقة في المدن الملاصقة لغزة ـ سديروت، عسقلان، نتيفوت، اوفيكيم؛ ووهذه ستطالبه بالأمن.
قبل لحظة من حصول هذا، خيراً تفعل الحكومة الجديدة إذا ما بلورت استراتيجية شاملة للقطاع. هذا سيضمن تحقيق الأهداف ـ وعلى رأسها القرار إذا كانت حماس هي حكم شرعي أم هدف للإسقاط.
إيران
إعلان وصف الولايات المتحدة، الإثنين، الحرس الثوري بتنظيم إرهابي، يزيد الضغط على طهران. هذه محاولة أخرى لعزل إيران وللوصول إلى نقطة حسم تتطلب منها أن تختار هل ستبقى وحيدة منبوذة أم تتخلى عن برنامجها النووي ومشروع الصواريخ بعيدة المدى وعن نشاطها المكثف لنشر الإرهاب في المنطقة.
في هذه الأثناء، رغم الضغط، إيران تنجو. نشاطها واضح بمستويات متغيرة في اليمن، والعراق، وسوريا، ولبنان وغزة. وقد استغلت إسرائيل في السنوات الأخيرة الحرب الأهلية في سوريا كي تقاتل المساعي الإيرانية لتثبيت وجودها في الدولة وإقامة قاعدة متقدمة لها فيها، ولكنها ستكون مطالبة بفحص سياستها بشكل يسمح لها من جهة الإبقاء على حرية عمل تنفيذية، ومن جهة أخرى منع تورطات زائدة، ولا سيما مع روسيا، وبالطبع مع حزب الله في لبنان.
هذا خط رفيع قد ينزلق إلى مناوشات علنية. أما نتائج اللعبة، مثلما في الماضي، فيقررها خليط من المعلومات الاستخبارية والقدرات العملياتية، مع غلاف استخباري ـ اقتصادي ـ إعلامي. إن نجاح دحر إسرائيل لإيران عن الجبهة الشمالية أمر مشكوك فيه، ولكن التحدي سيكون الاحتفاظ على إبقائها ضعيفة، وعديمة القواعد والقدرات، وبعيدة عن الحدود.
يهودا والسامرة
حافظت الضفة في السنوات الأخيرة على هدوء نسبي رغم الأحداث التي هددت بإشعالها من جديد (نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، الوضع في القطاع والجهد الدائم من حماس لإصدار العمليات منه). أما الجمهور الفلسطيني فأبدى اهتماماً قليلاً بالموضوع السياسي وعني بالحياة نفسها ـ ولا سيما بالرزق.
«خطة القرن» للرئيس ترامب، الذي يفترض أن تعرض قريباً، كفيلة بأن تغير الوضع. من الجانب الفلسطيني سيكون هذا سجل نهاية لأبو مازن الذي من المتوقع لصراع الخلافة له أن يمزق الشارع الفلسطيني، ومن الجانب الإسرائيلي ـ بعد سنوات من الجمود، سيكون مطلوباً بحث حقيقي في مسألة الحل المرغوب في المناطق، وبالتأكيد حين يكون في الخلفية الوعد الانتخابي لنتنياهو بضم البلدات اليهودية خلف الخط الأخضر.
إن التحدي الأمني سيكون قد اجتاز كل هذا دون صعود حاد في مستوى العمليات ودون انتفاضة شعبية، وهذه مهمة غير بسيطة في ظل كدية السلطة الفلسطينية. وستكون إسرائيل مطالبة بالإبقاء على التنسق مع أجهزة الأمم الفلسطينية، وبالأساس ـ إعطاء أفق اقتصادي للمواطنين من أجل مواصلة إبقاء معظمهم خارج دائرة العنف.
الميزانية
منحت الحكومة المنصرفة إقراراً استثنائياً للجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن: بعد سنوات طويلة عمل الجيش بميزانية ثابتة، سمحت بتنفيذ الخطة متعددة السنوات «جدعون» بكاملها. وكانت النتيجة مشاريع أكثر، ومخازن أكثر، وتدريبات أكثر ـ ارتجال أقل.
في الجيش الإسرائيلي يعملون منذ الآن على خطة متعددة السنين للسنوات الخمس القادمة، ستبدأ في السنة القادمة. ويتعلق تنفيذها بإطار الميزانية التي ستستوجب اتفاقاً متجدداً مع المالية. وهذه ستكون نتيجة قوة وزير الدفاع والمالية الجديدين السياسية، والوضع الاقتصادي.
وفقاً لكل المعطيات، وعلى خلفية العجز العميق الذي خلفته الحكومة المنصرفة، ستكون الحكومة الجديدة مطالبة بتقليص أليم في الميزانية ـ بما في ذلك الأمن. وهذا سيعقد الحياة للجيش الإسرائيلي وقد يعيده إلى الوضع الذي كان عليه عشية حملة الجرف الصامد: لغرض وقف التدريب، أو لوقف التعاظم، وكما هو الحال دوماً، خيراً تفعل الحكومة إذا امتنعت عن حلول مؤقتة، وأدخلت جهاز الأمن مسبقاً إلى إطار واضح، حتى لو كان مقلصاً، كي تسمح له بأن يدار بشكل مرتب يمنع الارتجال.
الجيش ـ المجتمع
لن يكون ممكناً الفرار إلى الأبد من هذه المساعي، ولا سيما على خلفية التردي المتواصل في الدافعية للتجند للجيش بشكل عام وللجناح القتالي بشكل خاص. وستستدعي المعطيات حلاً شاملاً ليس بمسؤولية الجيش. فهذا موضوع وطني يتجاوز الوزارات الحكومية، وإذا لم يوجد له حل، سيبقى الجيش ناقصاً وعرضة لتحديات دائمة.
تلقى هذه الأمور مفعولها على خلفية المسألة الدائمة لتجنيد الأصوليين. فقد حلت الحكومة السابقة قبل إيجاد حل لهذا الموضوع، ومشكوك في أن تجد الجديدة حلاً لذلك مع صعود قوة الأحزاب الأصولية. والتملص المتواصل من الحل اللازم سيبقي ساحة صراع قانوني ـ سياسي دائم، والأسوأ أنها قد تؤثر على المتجندين الذين تقل نسبتهم بين السكان باستمرار.
في السنوات الأخيرة ينجر الجيش الإسرائيلي في غير صالحه إلى الساحة السياسية. وتجنيد النساء، وأجهزة الوعي، وتعليمات فتح النار، كلها أمثلة قد تتعاظم في عالم الشبكات الاجتماعية. يخطئ من يعتقد أن هذا موضوع عسكري: التحدي للحكومة الجديدة، ولا سيما للوزير المعين، سيكون إبقاء الجيش خارج الجدال، كي يواصل البقاء كجيش شعب رسمي ونظيف.