الرئيسية مقالات واراء
تتحدى طھران الولایات المتحدة إذا ما كانت تجرؤ على تنفیذ عمل عسكري ضدھا، ردا على تصریحات الرئیس دونالد ترامب الذي لم یستبعد حدوث مواجھة عسكریة بین البلدین، وھي تصریحات یدرك الرئیس ذاتھ، صعوبتھا، فوق رغبتھ الدفینة بأن لا تتحول إلى أمر واقع.
المعلومات التي أشارت إلى ارسال الولایات المتحدة حاملة طائرات وقاذفات بي 52 ،الى الخلیج العربي، والتي ترافقت مع تسریبات أمیركیة حول اعمال إیرانیة متوقعة عسكریا ضد الوجود الأمیركي في العراق، تؤشر على أن احتمالات المواجھة واردة، رغم ان الأمیركیین والإیرانیین یسعون لتجنب سیناریو الحرب، بكل الوسائل في ھذا التوقیت، مع ادراك ان كلفة الحرب على واشنطن اعلى بكثیر من الإیرانیین الذین بیدھم أوراق كثیرة ضد الولایات المتحدة، فوق ان الإیرانیین تحت العقوبات، والحرب ربما اقل كلفة علیھم.
من ناحیة عسكریة، وبخصوص امن الإقلیم، وتدفق النفط، وامن إسرائیل، فأن الإیرانیین یمكنھم اللعب في ساحات كثیرة: العراق وسوریة، ولبنان، وتأثیر ذلك على الأمیركیین والإسرائیلیین، إضافة الى ما یتعلق بمضیق ھرمز وتدفق النفط عبر الخلیج العربي والیمن وما یمثلھ من تأثیر على باب المندب والبحر الأحمر.
بید أن للإیرانیین أوراقا تتعلق بالشیعة العرب في بعض الدول الحساسة على أمن الإقلیم، وقدرة إیران على تحریك ھؤلاء، والضغط على عصب المنطقة، ومع كل ما سبق، الشبكات الأمنیة الإیرانیة في دول عربیة عدیدة، تعد مستقرة وآمنة، وخارج لعبة التھدیدات حالیا، وھي دول قد تكون إیران قد وضعت مخططات خاصة بھا.
من المؤكد ھنا أن الإیرانیین لم ینتظروا ھذه الساعة لیضعوا خططھم، اذ انھم یستعدون لساعة المواجھة العسكریة مع الولایات المتحدة منذ فترة طویلة، وكل المعلومات تؤكد ان بنیتھم العسكریة-الأمنیة خارج ایران خطیرة وممتدة ولدیھا خططھا أیضا للرد على الامیركیین في حال وجھوا ضربة ضد إیران.
بھذا المعنى تكون الولایات المتحدة الطرف الأول الذي یرید تجنب الحرب، ولا یمكن اعتبار تحریك قاذفات الصواریخ وحاملات الطائرات أمرا كافیا لردع إیران ومنعھا من تنفیذ أي مخطط قد تقرر اللجوء الیھ، خصوصا ان لا أحد یضمن ابدا ان مجرد توجیھ ضربة عسكریة سیؤدي إلى إنھاء إیران عسكریا وسیاسیا، واخراجھا من لعبة التھدید ومواجھة الولایات المتحدة.
من ناحیة تحلیلیة فالولایات المتحدة تراھن على مبدأ واحد الآن لاخضاع إیران، أي قتلھا ببطء عبر ترك العقوبات الاقتصادیة للتأثیر على الاقتصاد والشعب الإیراني، بحیث ینھار النظام من الداخل، لكن بالتأكید فإن الجانب الإیراني سوف یسعى الى رد من ثلاثة مسارب، الأول العودة الى التخصیب النووي، والثاني تعویض الاضرار الاقتصادیة عبر الساحتین العراقیة والسوریة، والثالث تحریك أوراق عسكریة بشأن المنطقة، وتحدیدا اعمال عسكریة من مستوى منخفض، او توجیه ضربات للملاحة في الخلیج العربي والبحر الأحمر، وصولا الى ما یتعلق بأمن إسرائیل التي قد
تكون طرفا من الأطراف التي تتنزل علیھا الفواتیر.
نحن الان امام مواجھة أسوأ بكثیر من المواجھة العسكریة، لان كل الأطراف ترید ان تضغط اكثر للوصول لمائدة التفاوض الأساسیة، وبحث التقاسم السیاسي والجغرافي للمنطقة، وھو تقاسم على أساس الثروات والنفط والماء والنفوذ وخارطة التمدد الدیني-المذھبي، وصولا الى إعادة ترسیم الخرائط، وكل ھذا یبدو غیر وارد حالیا، وان كان ھذا ھو الھدف الأساس من كل ھذه المواجھة التي بدأت طبولھا في المنطقة، على رؤوس أھلھا، ودون سعي احد للوصول لحل نھائي. ھذا التقاسم اذا جرى سیدفع العرب كلفتھ الأولى، مثلما سندفع أیضا كلفة نشوب حرب كبرى، ونحن في الحالتین امام فاتورة صعبة مقبلة على الطریق، مھما تأجلت لسبب او لآخر في ظل سعي القوى
النافذة للحصول على أرباحھا المرتقبة.
علینا ان نسأل سؤالا مھما، حول ما إذا كان الإیرانیون سیقبلون حالة القتل البطيء التي انزلھا علیھم الأمیركیون، وسیجلسون متفرجین على انھیار نظامھم من الداخل، بما یلبي المخطط الأمیركي. الاجابة على ھذا السؤال سھلة، اذ ان المنطق یقول ھنا بكل وضوح، ان طرفا لدیه أوراق عدة لیلعب بھا، لا یمكن ان یقبل تجرع السم ببطء لیموت تدریجیا، بما یؤكد ان الإیرانیین سیقومون خلال الفترة المقبلة بضع خطوات تعید خلط كل ملفات المنطقة.