الرئيسية كواليس
أحداث اليوم -
شفاء القضاة - لا ينفك مسلسل الاعتداء على المعلمين والأطباء إلا ويستمر بالعرض متجاهلًا الحلقة الأخيرة، والتي يبدو جليًا أن المخرج - وإن وُجد- قد تناسى كتابتها، ليُخضعنا أمام سيلٍ من الأسئلةِ التي تتلخصُ بـ"إلى متى؟".
بعد جرائم القتل المتتاليّة التي غزت إفطار رمضان، في الأيامِ الخمسِ الأولى منه، أطلَّ علينا اعتداءٌ يكادُ يكون غريبًا من نوعه وبعيدًا عن معتقداتنا وعاداتنا العربيّة الأصيلة، إذ تمَ لكمُ الطبيبةِ روان سامي مقيمة الجراحة في مستشفى الأمير حمزة مساء يوم الخميس وكسرِ أنفهان من قِبل مُرافقي مَريض لعد تواجد سريرٍ له في غرفة العناية المركزة، بحسب ما روته الطبيبة.
وتابعت في منشورٍ لها عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" أنه تم الاعتداء عليها وهي على رأس عملها من قبل مرافقي مريض، لعدم توافر الأسرة، وهو شيءٌ خارجٌ عن إرادتها، لتستغرب بشدة الاعتداء اللفظي المهين عليها كطبيبةٍ أنثى، وما تبعه من اعتداءٍ جسدي إبان اتصالها بأمن المستشفى.
تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي بشكلٍ عام والمواطنون بشكلٍ خاص مع قضيّة الطبيبة؛ رفضَا للاعتداء بحد ذاته وتأثرًا بكونها أنثى، خاصةً وأنها المرة الأولى التي يتمُ فيها الاعتداء على أنثى من قِبل رجلٍ أثناء تأديتها لعملها، الأمر الذي فتح الباب أمام الكثيرين للتطرق للحالة الصحيّة والوضع الطبيّ في الأردن.
أشخاصٌ هاجموا المعتدي ووصفوه بعديم الأصل، وآخرون دافعوا عن الطبيبة مع تحفظهم على أُسلوب الأطباء ومعاملتهم للمرضى، وعددٌ آخر انتهز الفرصة لروايَّةِ تجربته مع المشافي الأردنية وسوء العلاج فيها - على حد وصفهم-.
نقابة الأطباء لم تصمت عن ما حدث، وأصدرت بيانًا حاد اللهجة على لسانِ نقيبا الدكتور علي العبوس، قالت فيه إن "ظاهرة الاعتداء على الاطباء ظاهرة مجتمعية حكومية اعلامية بامتياز ، والنقابة هي الاكثر ملامة والاكثر جهدا في هذا المضمار ! لقد تقدمت النقابة بقوة بمشروع ناجح لمنع هذة الآفة المدمرة لامننا الصحي بل والاجتماعي كاد ان ينجح ، وهاكم اسباب توقفه لتعلموا ما الذي نعانيه من ترهل في ظل حكومتنا الرقمية والريادية".
وحمَّل البيان العديد من الجهات مسؤوليَّةَ الواقع الطبيّ، إذ أوضح أنه "تم الاتفاق على ان تقوم قوات امنية او دركية بحماية مؤسساتنا الحكومية الصحية !! توقف هذا الاتفاق ! اتعلمون لماذا ؟ لانه لا وزارة الداخلية التابعة لها هذه الكوادر قبلت ان تقدم الدعم اللوجستي والرواتب لافراد هذه القوة وكأنها تقدم خدمة لدولة اخرى وكأننا لا نعيش في بلد واحد ويصرف علينا من ميزانية واحدة، طبعا وزارة الصحة لا تستطيع تكلف ذلك فهي تشكو الفقر وغير قادرة على دفع حوافز لموظفيها ! بل حتى عمل كوادرها وبدل استثماراتها تسحب منها للميزانية العامة".
وأضاف أنه "تم طلب تفعيل الحق العام وهنا المفاجأة فهذا الحق لا يفعل الا اذا تأذت الممتلكات العامة ! اي اذا كسر لوح زجاج او تعطل جهاز ! اما كسر انف طبيب فلا يدخل ضمن الحق العام!، وأن تتولى المؤسسة ( الوزارة ) عبر المدعي العام امر المرافعة والمتابعة بدل الطبيب او الموظف ، بدل ان يجبر الطبيب على ترك عمله ودراسته والتعرض للابتزاز . والنتيجة قوانين الحكومة الريادية غير قادرة على تحديث هذه القوانين لتلبي حاجة ماسة يحتاجها المجتع والوطن للتقدم وحمايته من الانهيار!!".
وأكد العبوس أنه "قامت النقابة منفرده ودون الحاجة للحكومة وهو الامر الوحيد الذي صار فيه جزء من التقدم ولا اقول كاملا وهو منع الاعلام من شيطنة المهنة والطبيب وقمنا بالفعل بمقاضاة بعض وسائل الاعلام غير المسؤول ونحن مستمرون في هذا المضمار، ونجحنا الى حد ما من السيطرة على انفلات التقارير الطبية الكيدية ونتابع تفعيل ذلك بكل جدية ! وهناك امور تخص الظروف التي يعمل بها الطبيب من الازدحام وفوضى الزيارات وكثرة المرافقين هذه مسؤولية الوزارة بامتياز" .
وشدد على أنه "لايعني ذلك اننا وصلنا درجة اليأس مع هذا الترهل الحكومي والمسؤول عنه رئيس الوزراء مباشرة فالوزراء مسؤوليتهم محدودة كل ضمن صلاحياته والامر يحتاج الى هبة وطن باكمله والا فامننا الصحي في خطر ! والنقابة لن تنتظر للابد فالوطن وسلامة ابنائه اطباء وزملاء مهنة اخرون حياتهم وكرامتهم محل اهتمام ، والانتصار لهم واجب مقدس لن نتأخر عنه".
البيان بدى كصفعةٍ شديدةٍ لوزارة الداخليّة، فما لبثت أن صرحت على لسانِ مصدرٍ مسؤول، باستغرابها تصريحات العبوس حول حمايَةِ الأطباء، وأنها تولي هذا الموضوع اهتمامًا خاصًا وعناية فائقة، موضحا ان الوزارة وبتوجيهات مباشرة من رئيس الوزراء تعاملت مع حادثة الاعتداء التي وقعت مؤخرا على طبيب وطبيبة في مستشفى حمزة بمنتهي المسؤولية إذ تم التواصل بين وزيري الداخلية والصحة على الفور ومنذ بداية الاعتداء وتم زيادة عدد الكوادر الامنية والحراسات في المستشفى ومتابعة القضية من قبل وزارة الداخلية والامن العام حتى تم القاء القبض على المعتدي واحالته للجهات المختصة".
لنجد وزير الداخليّة سلامة حمَّاد مشاركًا في اعتصامٍ للأطباء ظهر الأحد، طالبًا من الطبيبة روان اعتباره كوالدها، الأمر الذي لم نجده في الحوادث التاليّة، فهل كان التفاعل من الجهات المعنيّة نتيجة انتشار قصة الفتاة ووقوف الرأي العام إلى صفها، أم أنها بدايةُ خيرٍ لخطواتٍ إيجابيّة؟
خاصةً وفي ضوء تكسير أضلاع طبيبِ أسنانٍ من قِبل أحد المراجعين الجمعة، والاعتداء على معلمٍ في الكورة ضربًا بالحجارة ليتهشم وجهه.
مسلسل الاعتداءات الذي يأبى التوقف، هل يضع وزير الداخليّة الجديد بالتعاون مع النقابات والجهات المعنيّة حدًا له؟ وهل تٌغلظُ العقوباتُ تزامنًا مع توفير متطلبات المواطنين من صحةٍ وتعليم؟ أم يظلُ قائِمًا بحلقاتٍ متكررةٍ وأبوابٍ مفتوحةٍ تطرق بلا مجيب؟ أسئلةٌ كثيرةٌ تحتاجُ لإجابات.