الرئيسية مقالات واراء
كیف سیكون حالنا بعد عشرین عاما من الیوم؟
ھذا السؤال أشغل الأردنیین قبل عشرین عاما، یوم رحل الحسین رحمه الله، باني الدولة الأردنیة الحدیثة، وتسلم الحكم ملك شاب یطمح بأردن جدید یواكب العصر بسرعة تقدمه.
وكما الحال مع والده الحسین، واجھ الملك عبدالله الثاني شكوك الداخل والخارج، حول قدرة الأردن على الاستمرار في إقلیم عاصف، ووسط دول كبرى طامعة.
السنوات العشرون الأولى من عمر المملكة الرابعة كانت أشد ھولا من سنوات التأسیس الأولى.
حروب كونیة من حولنا، وأزمات اقتصادیة لم یشھد العالم مثیلا لھا إلا في السنوات التي تلت الحرب العالمیة الأولى. وثورات اجتاحت دول المنطقة فحولت إقلیمنا لساحة فوضى تعبث فیه الجماعات الإرھابیة. انھارت الحدود والجیوش، وسقطت أشد الأنظمة بأسا.
عندما رحل الحسین العظیم عن دنیانا، كان الأمل بعملیة السلام لم یمت بعد. تبدل الوضع تماما في عھد الملك عبدالله الثاني، إسرائیل نفضت أیدیھا من حل الدولتین واتجھت نحو أقصى الیمین.
فلسطین لم تعد القضیة الأولى للعرب، فوقف الأردن وحیدا یدافع عن القدس والمقدسات، وانتھى بشكل رسمي النظام العربي ”الأعرج“ الذي عرفناه على مدى خمسین عاما.
كانت علاقات الأردن مع جیرانه العرب مضطربة وفي بعض الحالات سیئة جدا كما ھو الحال مع دول خلیجیة، تطلب ترمیمھا سنوات من الدبلوماسیة المثابرة.
سنوات الربیع العربي مثلت امتحانا عسیرا وغیر مسبوق لقدرة الأردن على الصمود. باستثناءات قلیلة كانت كل التحلیلات والتقدیرات العالمیة تتوقع سقوط الأردن بعد سقوط النظام المصري واندلاع الاحتجاجات في سوریة. لقد وقعنا بالفعل بین فكي كماشة.
النخبة السیاسیة الأردنیة في غالبیتھا استسلمت لھذه التوقعات. عندما كان الملك عبدالله الثاني یقود بنفسه الحوارات مع أقطاب ورموز الساسة في الأردن، وقد ُ شھدت كصحفي بعضھا، كنت أعلم أن ما یقوله ھؤلاء أمام الملك مختلف تماما عما یدور في جلساتھم. كان الملك وحده تقریبا من یثق بقدرة الأردن على تجاوز المرحلة الصعبة وشق طریق الإصلاح الآمن. یؤمن بحكمة الشعب الأردني بطریقة عجیبة، ویرفض الاستسلام للتوقعات الیائسة.
عبرنا تلك المرحلة بسلام لكن بأكلاف اقتصادیة وأمنیة باھظة، وما زلنا نعاني آثارھا المدمرة. لكن ذلك كله لم یحل دون استمرار عملیة الاصلاح والبناء، وفي كل مناسبة كان الملك یذكر النخب السیاسیة وجمھور المشتغلین بالعمل العام والحكومات بأن الظروف الصعبة من حولنا لن تكون ذریعة لتوقف ماكینة العمل والإصلاح في الداخل.
البلد الذي لم یزد عدد سكانه عن خمسة ملایین قبل عشرین سنة، زاد الضعف تقریبا، ومع الزیادات السكانیة الطارئة، ارتفعت فاتورة الانفاق والتشغیل في وقت تراجع فیھ حجم المساعدات الخارجیة، والعائدات الوطنیة من السیاحة والصناعة وغیرھا من القطاعات بفعل الحالة الأمنیة السیئة في دول الجوار.
كیف عبرنا تلك السنوات العجاف، حتى تضاعف الإنفاق على التعلیم أربع مرات، وعلى الصحة بمثله، لمواكبة الزیادة الھائلة بالسكان، ومتطلبات المنافسة في عالم لا یعرف حدودا للتغییر.
نحجنا مرات كثیرة، وأخفقنا أیضا، وھل یمكن تجنب الفشل عندما تواجه كل ھذه الأھوال والتحدیات المصیریة داخلیا وخارجیا؟!
لكن ھا نحن نعبر العشرینیة ونھم بدخول قرن جدید من عمر الدولة الأردنیة. بالرغم من ذلك لن تتوقف محاولات التشكیك بقدرتنا على الاستمرار. السردیات ذاتھا التي نسمعھا منذ أن تأسست الدولة ما تزال تحضر كل مرة. لم یكفھم قرن من الصمود ولا العشرینیات المقبلة.
حالنا بعد عشرین عاما مقبلة ستكتب عنه الأجیال الشابة من الأردنیین وتروي قصتھا وكفاحھا من أجل الأردن.