الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    طابور خامس

    أثار فیدیو تم نشره عبر وسائل التواصل الاجتماعي، یظھر فیھ مواطنون وھم یتدافعون ما أدى إلى إغماء بعضھم، من أجل شراء طبق بیض مخفض بسعر تسعة وثمانین قرشا، سخریة واسعة، ونقدا، وفي مرات تفھما لما یجري.

    المشھد ذاته، ھو ابن مشھد آخر، رأیناه قبل شھور، لوقوف آلاف السیارات، أمام محطات وقود، قدمت وقودا مجانیا بخمسة دنانیر، والمشھد یومھا أثار ردود فعل عدیدة، ما بین من لا یصدق حاجة الناس، أو ذاك الذي یسأل عن قیمة المبلغ البسیط الذي یجبر مواطنا على الوقوف لخمس ساعات من اجل الحصول علیھ نفطاً، وھو مشھد في كل الأحوال لا یختلف عن وقوف آلاف السیارات في المملكة، عند محطات الوقود، لتعبئة سیاراتھم، لیلة معرفتھم ان الوقود سوف یرتفع.

    علینا أن نعترف بحدوث تحولات كبرى في البنیة الاجتماعیة، وقد كنا نرى سابقا آلاف العائلات الفقیرة نسبیا، التي ترفض الحصول على طرود غذائیة، بذریعة أن الأمور مستورة، وانھا لم تصل إلى ھذه الحالة، لكنھم الیوم، یقبلون، بل ویبحثون عمن یساعدھم من اجل إدراجھم على كشوف المساعدات النقدیة والغذائیة، مثلما نلاحظ أیضا أن عشرات آلاف العائلات التي كانت ترفض أن یتم تصویرھا في الصحف أو شبكات التلفزة، من اجل كشف معاناتھم، وطلب المساعدة لھم، وإذ بنا الیوم، أمام قبول واسع، من كل ھؤلاء، فلم یعودوا یتحرجون، وباتوا یقبلون نشر صور أطفالھم وزوجاتھم، امام شدة المعاناة التي یعیشونھا.

    الأردن الجدید، غیر الأردن الذي كنا نعرفه، ولو اردنا تعداد الأمثلة لوجدناھا لا تعد ولا تحصى، وصولا إلى قبول وظائف كان الأردني یستحیل أن یعمل بھا، لكنھ الیوم، یبحث عمن یقدم إلیه أي وظیفة، من أجل أن یعیش، وھذا ینفي في الأساس، ثقافة العیب، ویأخذنا إلى واقع مؤلم، تحطمت فیه البنیة الاجتماعیة، وتراجعت فیھ معاییر الممانعة، وبات الكل مستعد أن یفعل أي شيء من أجل أن یعیش.

    في الوجه الآخر لھذه التغیرات، ارتفاع نسب الجرائم، الصغیرة والمتوسطة، والذي یحلل أنماط الجرائم، یجد لدینا جرائم من نوع جدید، إذ إن الآلاف یعملون في توزیع المخدرات، والآلاف یسرقون، ھذا فوق بروز ظواھر السطو على المصارف.
    لا یمكن ان تكون السخریة من مشھد المواطنین وھم یتدافعون من اجل طبق بیض، فالسخریة بحد ذاتھا، مھینة، ولا تقرأ التغیرات في البلد، لأن ھذا المواطن بدخلھ المحدود للغایة، یرید أن یوفر دینارا ھنا، ونصف دینار ھناك، ویعتبر أن ھذه المبالغ القلیلة جدا، قد تجمع مبلغا آخر الشھر، قد لا یتجاوز في موازنة مصروفھ العشرة دنانیر أو العشرین دینارا، لكنھ مواطن تم استھلاكه، ولا یجد أساسا مالا من اجل تعلیم ابنائھ في المدرسة، او الجامعة، ولا مالا لتغطیة مصاریف الطعام والدواء، والاتصالات والمواصلات والتدخین، إن كان مدخنا.

    ظاھرة التدافع نراھا في دول فقیرة جدا، فیھا طبقات مسحوقة، مثل الھند، وقد نراھا في مخیمات اللاجئین، او في احیاء فقیرة جدا في مصر، وحین نرى مثل ھذه الظاھرة في الأردن، فھي لا تعبر عن بخل أصحابھا، ولا عن استعدادھم للموت من اجل طبق بیض، لكنھا تعبر عن أردن جدید، تم انتاجه، وھو لا یختلف عن دول عربیة أخرى، وقد رأینا قبل فترة في لبنان، كیف تدافع الآلاف امام محل تجاري من اجل تنزیلات للأسعار، فمات وجرح كثیرون، بحثا عن توفیر بضعة دولارات.

    السخریة المرة ھنا، یجب ان تكون من اوضاعنا العامة، واذا بقینا ھكذا، سنجد الصوت الانتخابي خلال الانتخابات المقبلة، رخیصا جدا، إذ بعد أن كان یباع بخمسین دینارا، انخفض إلى عشرین، وقد یباع المرة المقبلة بعشرة دنانیر، وھذا یعني في المحصلة، ان تحویل الناس، إلى مجرد مجامیع بشریة، ترید أن تعیش بأي طریقة بعد أن أغلقت كل البدائل في وجوھھم، امر خطیر جدا، ویدین السیاسات، ولا یدین الناس، الذین لم نكن نراھم ھكذا قبل عشر سنین.

    إذا كان أحد یستحق السخریة، فھو في كل الأحوال لیس الانسان الأردني، بل كل ھؤلاء الذین تولوا مواقع المسؤولیة، وكنا وغیرنا نحذرھم من اختطاف الأردن، وإعادة انتاجھ، اجتماعیا واقتصادیا، واعتبرونا یومھا، مجرد سكارى، نھرف بما لا نعرف، ونبث السوداویة، وربما زاد أحدھم وقال إننا مجرد طابور خامس، نھدم الروح المعنویة المرتفعة للمواطنین، ونستھدف الأمن والأمان.





    [21-06-2019 09:51 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع