الرئيسية مقالات واراء
أبدأ مقالتي هذه في مقولة والدتي لي رحمها الله عندما تخرجت من الدكتوراه وهي: يُمَّه إجلس وإسمعني، يُمَّه برضاي عليك بَدي الفهم عن العلم. فقلت لها حاضر يا والدتي وكنت بصراحة لم أدرك المعنى الكبير التي أرادت والدتي أن توصله لي من كلامها. ولكن عندما بدأت أتعامل مع الأخرين في حياتي العملية وبيئة عملي هي أكاديمية في الجامعات والذين أتعامل معهم هم من حملة أعلى شهادات علمية وهي شهادة الدكتوراه.
أدركت المعنى الحقيقي لمقولة والدتي وهو: أن ليس كل متعلم ويحمل الشهادات العليا يفهم كيف يتعامل مع الأخرين. فكثيراً من الأحيان تجد إنسان أمي أو يحمل الشهادة الإبتدائية او الثانوية أو كلية متوسطة أو بكالويوس فقط ويفهم جيداً كيف يحترم الأخرين ويتعامل معهم ويكون هذا الإنسان تعلم من مجالس أهله ومن مدرسة الحياة التي فتحت أبوابها عندما هبط آدم وزوجه وإبليس معهما للأرض ولا ولم ولن تغلق أبوابها حتى يرث الله الأرض وما عليها.
ومما تقدم نجد في بعض الدوائر أن هناك من الموظفين من يحملون شهادات عليا كالماجستير والدكتوراة ولكن المسؤول الأول فيها يحمل فقط شهادة البكالوريوس أو أقل منها. فالبعض يعترض ويتذمر ويشكو ... إلخ. دعوني أقول لكل أولئك الذين يعترضون: أن مواصفات المسؤول الأول ليس الشهادة العلمية فقط ولكن هناك مواصفات خَلْقِيَة وخُلْقِية ومقاييس وعلم تعلمه هذا المسؤول من مدرسة الأهل أو جامعة الحياة لم يتعلمه حملة الشهادات العليا في الجامعات ولا في تخصصاتهم المختلفة.
فإختيار المسؤول الأول في أي دائرة أو مؤسسة له إعتبارات ومقاييس مختلفة غير الشهادة العليا، وهذه الإعتبارات لا تكون متوفره إلا عند القليل القليل من الناس. فالأسبوع الماضي إتصلت صباحاً مع إحدى الدوائر وطلبت ممن أجابني تحويلي إلى عطوفة مدير الدائرة فقال: لم يصل بعد: فقلت له لطفاً حولني على مدير مكتب عطوفته فقال لم يصل بعد لأنه مع المدير. فطلبت منه إذا كان بالإمكان أن يخبر مدير المكتب بأنني فلان بن فلان أرغب في الحصول على موعد للحديث مع عطوفته بأمر فيه المصلحة العامة وقد ظهر عنده رقم هاتفي الخلوي.
فإذا بهاتفي الخلوي يرن ويظهر رقم تلفون بدون إسم فأجبت: لطفاً مين حضرتك لم يظهر عندي الإسم فأجاب بلطف: أنا فلان بن فلان مدير الدائرة ورحب بي ورحبت بعطوفته وطلب مني إذا لم يكن عندي الأن إلتزام أن أحضر لمكتبه لإحتساء فنجان قهوة. وبالفعل ذهبت ولقيت كل إحترام وتقدير وترحيب من قبل كل من يعمل في هذه الدائرة، وكان مكتب عطوفته يعج بالضيوف فجلست في مكتب مدير مكتبه. وبعد أن شربت فنجان قهوة سادة خرج عطوفته بنفسه من مكتبه وإستقبلني وإصطحبني لداخل المكتب وكان عنده من الذكاء والفطنه وحسن التصرف ما يجعلة يستحق أن يكون المسؤول الأول في هذه الدائرة. وعندما شعر أنني أنظر إلى ساعتي خرج من المكتب وأحضر معه شخص آخر عرَّفه علي وكان مساعده ومن ثم إصطحبني إلى مكتب مساعده حتى لا أتأخر وجلسنا في مكتب المساعد للحديث بكل أريحية.
فنحن نفتخر بهؤلاء الأشخاص وأمثالهم ونرتاح جداً لتوليهم المسؤولية الأولى في دوائرنا ومؤسساتنا ونتمنى لهم كل التوفيق والتميز وطولة العمر بالصحة والعافية والسعادة والهناء، ونشكر من إختارهم لهذه المسؤوليات. فالمسؤولية الإولى في أي دائرة أو مؤسسه لها أهلها.