الرئيسية مقالات واراء
لو قمنا بعملیة جرد حساب لمعرفة من ھي الأطراف والأفكار الرابحة أو الخاسرة من انعقاد ورشة البحرین الفاشلة لتوصلنا إلى مجموعة من الملاحظات الموضوعیة والقابلة للقیاس. ولعل أبرز الأفكار التي تراجعت ھي مرجعیات عملیة السلام التي استند إلیھا الجانب الفلسطیني في المطالبة بإقامة دولة مستقلة وعاصمتھا القدس. فلأول مرة منذ عقود یعقد مؤتمر دولي أو ورشة عمل لیس على أساس مرجعیات عملیة السلام المعروفة (قرارات مجلس الأمن) وانما لتدمیر ھذه المرجعیات واستبدالھا بمسار آخر یھدف إلى الاجھاز على ما تبقى من حق للفلسطینیین.
وھذا التنازل، إن جاز التعبیر، تم تقدیمھ لإسرائیل مجانا! فإسرائیل لم تتعھد بتقدیم أي تنازل لقاء انعقاد ورشة البحرین، وھي بالمناسبة غیر ملتزمة بأي صیغة یمكن التوصل إلیھا في البحرین. فالأمر بالنسبة للإسرائیلیین لیس مھما ما دام بإمكانھم الاستمرار في قضم الأراضي وضمھا تدریجیا حتى تصبح أمرا واقعا. وما الكلام المتعاطف مع إسرائیل والذي جاء على لسان بعض المسؤولین العرب إلا ذخیرة إضافیة تمنح للیمین الإسرائیلي الذي عادة ما یحاجج بأن العرب لیسوا معنیین بالقضیة الفلسطینیة.
الرابح الأكبر من كل ما یجري ھي القوى الاستیطانیة التي باتت ترى بأن التكتیك الصھیوني التقلیدي المتمثل في فرض وقائع جدیدة ھو الأسلوب الأمثل لانتزاع التنازلات العربیة والدولیة، فھذه القوى استغلت جیدا عیوب النظام الانتخابي الإسرائیلي لتمویل مشاریعھا التوسعیة. والآن بعد أن وافق العرب حضور ورشة البحرین بحجج واھیة ستزداد ثقة الیمین الإسرائیلي وقوى الاستیطان بخصوص فعالیة الاستخفاف بأي مرجعیة لعملیة السلام.
بالمشاركة بورشة البحرین المعروف مسبقا أنھا تأتي في سیاق صفقة القرن یخسر العرب ثقتھم ببعضھم البعض، فھناك ما یشیر إلى أن التھافت العربي جاء بحسابات قُطریة – إذ باتت كل دولة تفكر بمصالحھا الضیقة فقط – من دون اعتبار لأھمیة التضامن العربي مع الفلسطینیین. وھكذا یستفید الطرف غیر العربي في استغلال ھذا التنافس والتنافر والضعف العربي للمضي في سیاسات تخدم فقط إسرائیل.
لم یفھم العرب لغایة الآن معادلة الربح والخسارة أو الكلفة والعائد، ولم یفھم العرب لغایة الآن بأن بأیدیھم أوراق قوة كثیرة لو وظفت ورفعت الكلفة على أي طرف یتعاطف مع الاحتلال لربما تغیرت المعادلة برمتھا. وعلیھ فقد جاءت ورشة البحرین لتؤكد من جدید بأن الطرف العربي غیر قادر على التعلم من أخطاء الماضي. فلا یعقل أنھ وبعد مرور سبعة عقود على بدایة الصراع العربي الإسرائیلي ما یزال الطرف العربي غیر قادر على صیاغة موقف قوي لو كانت فلسطین بالفعل ھي قضیتھم الأولى كما یقولون.
لكن من ناحیة أخرى، یمكن اعتبار الرأي العام العربي ھو أكبر الفائزین، فحالة التضامن مع الموقف الفلسطیني الرافض لورشة البحرین برزت بشكل أدى إلى احراج الانظمة العربیة الرسمیة المشاركة ودفعھا لتخفیض مستوى التمثیل، فلأول مرة یشارك العرب في تظاھرة من ھذا الشكل وبھذه الدرجة من الاستحیاء، لذلك ترفع القبعة للشارع العربي الذي یثبت مرة أخرى بأن عجز الانظمة أو عدم رغبتھا في الوقوف مع تطلعات الشعوب لا یثنیھم عن القیام بما یلزم من أجل
فلسطین. كما أن الفریق الأمیركي خسر الجولة إذ فقدت أمیركا مكانتھا كوسیط نزیھ وتحولت إلى جزء من المشكلة بدلا من أن تكون جزءا من الحل. فھذا الفریق المتسرع لم یفھم بأن كل محاولات الإدارات الأمیركیة لحل الصراع باءت بالفشل لأنھا تجاھلت حقیقة أن الاحتلال ھو سبب البلاء، فلا یمكن أن یكون ھناك ازدھار من دون سلام، ولا یمكن للسلام أن یتحقق دون أن یزول الاحتلال، ھذه ھي الوصفة الوحیدة للازدھار والسلام ولا یوجد غیرھا سوى التآمر على فلسطین.