الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    أكثر من إيران واحدة

    تتمدد إيران في العالم العربي، وتقف الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل، عاجزة امام تمددها، فقد راهنت طهران على الوقت، واستثمرت في ساحات كثيرة، مما جعلها في موقع اقوى بكثير من كل الذين يهددونها اليوم.

    آخر المعلومات، سفر وفد فلسطيني من حركة حماس إلى إيران، وهذا تطور خطير، يصب في مصالحة حماس أيضا للنظام السوري، وتقوية موقع حركة الجهاد الإسلامي أيضا في غزة الأقرب إلى إيران، وما يمثله حزب الله في لبنان، واذا كانت التصنيفات المذهبية ما تزال سائدة بين قوى المنطقة، الا ان إيران هنا، تستقطب اتجاهات مغايرة مذهبيا، في سياقات مشروع اكبر، يتعلق بترتيب المعسكر الإيراني في كل المنطقة العربية، ضد واشنطن وإسرائيل معا، وللمفارقة فقد ترك العرب، حماس، وتم تجريمها، وعزلها، ولم يتركوا امامها من باب نجاة سوى العودة إلى الحضن الإيراني والسوري، برغم علاقات حماس مع مصر وقطر، وهي علاقات قد تخفف جزئيا، من الاندفاع نحو طهران، لكنها لن تمنعه.

    في كل الأحوال تبدو إيران برغم انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، في وضع اقوى، اذ انها قادرة على الرد عبر الخليج العربي، ومضيق هرمز، مثلما رأينا في حادثة احتجاز الناقلة البريطانية، وربما وصولا إلى اغلاقه كليا، وهي التي نفذت عمليات ضد سفن تجارية في مناطق مختلفة، وهذه ساحة أولى، وهي قادرة على الرد عبر العراق، وعبر سورية، وتحديدا من خلال الجولان، وضد إسرائيل، وقادرة على الرد عبر لبنان، بواسطة حزب الله، ضد إسرائيل، وقادرة على الرد عبر اليمن، بواسطة جماعة الحوثيين وصواريخها التي يتم اطلاقها على دول عربية، وقادرة على الرد عبر البحر الأحمر، وباب المندب، هذا فوق الشبكات الأمنية السرية في دول عربية، وفي عواصم افريقية حصرا، وفي أوروبا وأميركا، ثم فوق كل هذا عبر غزة، والتحالف العلني اليوم، بين حماس والجهاد الإسلامي، من جهة، وطهران من جهة ثانية.

    كيف سمحت الولايات المتحدة لإيران بالتمدد على مدى عقود حتى وصل تأثيرها إلى هذه القوة، التي تعد قوة غير مسبوقة في منطقة حساسة، وهي قوة ستبقى فاعلة حتى لو افترضنا تدمير طهران بقنبلة نووية أميركية، لان الساحات البديلة التي صنعتها إيران، ليست مجرد ساحات بديلة اقل كفاءة وضعيفة، لكنها على الاغلب ساحات قوية، توازي الأصل من حيث البرنامج وربما التسليح العسكري، والاستعداد حتى لسيناريو شطب إيران عن الخريطة، الذي سيؤدي إلى اعلان اكثر من “إيران عربية” نيتها الانتقام والرد، وهذا السؤال يبحث عن إجابة.

    علينا ان نعترف هنا، ان واشنطن في مشهد التوتر الجاري في المنطقة، اجبن من ان ترد، خصوصا، ان الرئيس الأميركي يقترب من الانتخابات، وهو لا يضمن حماية جنوده في العراق، ولا حماية هذه المنطقة، ولا حتى امن إسرائيل، التي تبدو هي الأخرى مذعورة، كونها تدرك انها ليست امام طرف مركزي واحد يمكن تصفيته والانتهاء منه، بل امام نظرية جديدة، قائمة على صناعة اكثر من سبع ساحات مركزية وبديلة مؤهلة للرد في حال تعرضت إيران لضرر، وهي العراق وسورية ولبنان وغزة واليمن ومضيق هرمز وباب المندب، فوق المخفي والمستور في دول أخرى عربية وغير عربية.

    ما يمكن قوله استخلاصا، ان الأدلة كثيرة، على ان الملف الإيراني، ليس سهلا، ويشكل اكثر من صداع للولايات المتحدة، ويبدو واضحا ان الإيرانيين، الذين صنعوا اكثر من إيران واحدة، في مناطق عدة، استعدوا جيدا لهذا التوقيت، بما يجعلنا امام مشهد يتجاوز الاثارة التقليدية، إلى تحد كبير، ويختلف عن كل التجارب السابقة.





    [21-07-2019 09:04 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع