الرئيسية مقالات واراء
اليوم والكل مشغول بافتتاح المدارس وزحمة شراء الكتب والدفاتر والتجليد، وأقساط المدارس والمواصلات التي باتت حرفيا تستهلك نصف مدخول الأسر الأردنية، إن لم يكن أكثر، هناك شريحة أصبحت واسعة وليست فئة محددة كما في السابق، يجب علينا كمجتمع متمدن ومتعلم أن نقر بوجودها، وهم أبناء التربية الخاصة.
هؤلاء الذين كان ينحصر الوصف عليهم، بالأطفال المصابين بمرض التوحد ومتلازمة داون فقط، أصبح التصنيف يتجاوزهم إلى عدد كبير من البنات والأولاد المتعثرين دراسيا أو المنتمين لفئات صعوبات التعلم أو النشاط الزائد، بسبب أمراض عضوية ونفسية صارت منتشرة بين العائلات، وتورث جيلا من بعد جيل، كانوا في الماضي غير مكترث بهم، لاعتبارات اجتماعية وتعليمية واقتصادية معروفة.
أبناء التربية الخاصة، والذين لأجلهم استحدثت تخصصات في الجامعات الأردنية الحكومية والخاصة، منذ سنوات طويلة، لا يستفيدون أبدا من مخرجات التعليم الجامعي ولا من خبرات التعامل مع حالات مماثلة، في مدارسهم إما الحكومية أو الخاصة. فعلى الرغم من عدد خريجي تلك الجامعات، ومثلهم ممن تنطبق عليه شروط تعليم وتدريب الأطفال من ذوي الاهتمامات الخاصة، لكننا في الغالب لا نجد صفوفا تعليمية منهجية مخصصة تعنى بتلك الشريحة الكبيرة من الأطفال، والذين يمكن أن يتجاوزوا مرحلة صعوبات التعلم بعد مضي السنوات الأولى من الدراسة، لو تم الاعتناء بهم حسب المعايير التربوية والعلمية العالمية، والتي من المهم أن نعترف بأننا من أوائل الدول المصدرة للخبرات العملية المحترمة في هذا المجال. ولا أدل على ذلك أكثر من أن غالبية جنسيات العاملين في قطاع التربية الخاصة في دول الخليج مثلا هم من الأردنيين.
فلماذا لا تستفيد مدارسنا من خريجي التربية الخاصة، خصوصا وأن كثيرا منهم عمدوا إلى إكمال دراساتهم العليا في الماجستير والدكتوراه، بسبب البطالة؟ ثم لماذا لا ينظر بعين الاعتبار والجدية لأبناء التربية الخاصة، كونهم يمثلون نسبة ليست بسيطة من أولاد المدارس في الجيل الحالي؟ هل من المعقول أن يتكلف الأهالي أضعافا مضاعفة من الأقساط والرسوم من أجل إلحاق أبنائهم في صفوف خاصة، هي في الحقيقة تمثيلية مسرحية لا تقدم ولا تؤخر في التحصيل العلمي، اللهم أنها أنتجت قنوات جديدة لردف الأموال لأصحاب المدارس، في مقابل فتات الرواتب التي تمنح لمعلمي التربية الخاصة.
بعض المدارس تتبجح بوجود أقسام لمثل هؤلاء الطلبة. في حين أنها ليست أكثر من قاعة صفية كئيبة يتحلق حول طاولاتها أطفال مختلفو الاحتياجات، يقضون ساعات الدراسة في الرسم والركض وتناول وجبات الطعام!
هذا ما يحصل في الحقيقة، لو ارتأت لجنة مختصة من وزارة التعليم أن تتحقق منها بنفسها. وهذا ما لا يجب أن يكون في ظل الاحتياج الكبير لمثل تلك الصفوف التدريسية، تعلم الأولاد مناهجهم بطرق وأدوات تتناسب مع مستوى تلقيهم لها.
كثيرون من الأهالي المضطرون يدفعون الغالي والنفيس ليروا أطفالهم منتظمين في مدارسهم، رغم معاناتهم من احتياجات واهتمامات مختلفة عن الأطفال العاديين، يجدون أنفسهم في منتصف أو آخر الطريق أمام بنات وأولاد على مشارف التخرج، وهم غير مهيئين للمرحلة الجامعية أو التقنية المقبلة. ذلك أن موضوع نجاح الطلبة في تلك الصفوف في الغالب يكون تلقائيا وغير خاضع للشروط العادية الطبيعية للنجاح والرسوب.
على المجتمع اليوم أن يضغط جديا باتجاه التعامل مع هؤلاء الأولاد، وأكرر أنهم كثيرو العدد، للاهتمام بهم حسب المعايير العالمية في الصفوف والساحات والامتحانات وغيرها من متطلبات الدراسة. على أن يكون ذلك ضمن قاعات صفية وكادر تعليمي تربوي متخصص، لا ينقصنا أن يكونوا ضمن الهيئات التعليمية في مدارسنا.