الرئيسية مقالات واراء
أحداث اليوم -
هناك فرص عملية كثيرة وواضحة لتحويل قضية المعلمين إلى مكاسب وفرص إصلاحية، لكن يجب أولا أن تكون الحكومة في موقعها الصحيح، وتقتنع أن حلّ الأزمة ليس إعلاميا، إذ إن الإدارة الإعلامية تزيد الأزمة سوءا وتضيف إلى الفشل مزيدا من عدم الثقة.
المشهد الأولي للأزمة وإدارتها أن المعلمين كسبوا المواجهة إعلاميا واجتماعيا، إذ تتضامن معهم وتؤيدهم نسبة كبيرة من المواطنين، بل تحولت القضية إلى حالة وطنية عامة متصلة بكل قضايا الإدارة العامة والإنفاق العام والدور الاقتصادي والاجتماعي المفترض للدولة وكفاءة الحكومة في أداء المهمات الموكولة إليها والتي أقسمت على أدائها.
وفي المقابل فقد وقعت الحكومة في سلسلة من الأخطاء والأزمات التي كان ممكنا تجنبها، وأضافت إلى مسألة مطالب المعلمين مجموعة من التحديات والملفات التي تفوق القضية الأساسية بأضعاف مضاعفة، وصارت في مواجهة أسئلة كثيرة جدا حول العدالة والكفاءة في إدارة الشأن العام، فقد أظهرت الحكومة في أدائها وتفاعلها مع القضية أنها في مستوى من الجدية والاهتمام يقل كثيرا عما يعول عليه المواطنون، وأن ثمة فجوة واسعة وعميقة بينها وبين الأغلبية الكبرى من الناس، لقد ظهرت في الواقع كطبقة منحازة، وأنها تعمل متحالفة مع قلة من المواطنين ضد الأغلبية، بل وثمة شعور قوي أنه يجري إهمال وتقصير للمؤسسات العامة والخدمية، وأن الموارد العامة والضرائب التي تجمع من جميع المواطنين لا يعاد إنفاقها وتوزيعها عليهم جميعا بالعدل، وأن المواطنين يدفعون قسرا ليحصلوا على الخدمات الأساسية من السوق، لكن الأصل أنها خدمات يجب أن توفرها الدولة، ويفترض أن الضرائب جمعت لأجلها، وهذه الضرائب أيضا لم تجمع وتحصل بعدالة وكفاءة، لكن معظمها مصدره من الفقراء ومتوسطي الحال، ومؤكد بالطبع أن التهرب الضريبي المقدر بمئات الملايين لا يقوم به المعلمون والموظفون والعاملون برواتب ومكافآت شهرية وموثقة تقتطع منها الضرائب مؤسسيا، ويدفعون ضريبة مبيعات مرهقة جدا على كل سلعة أو خدمة يحصلون عليها، وهذا تشوه اجتماعي واقتصادي خطير ومكلف، فنحن في ظل حالة مفادها أن أغلبية فقيرة أو متوسطة تدفع الضرائب وتقوم بعملها لصالح قلة تستفيد من عمل وخدمات الأغلبية ولا تدفع الضرائب المستحقة عليها، ولا تخضع أيضا لنظام عادل في توزيع الفرص والموارد، والحال أن ما سمي خصخصة او إسناد الخدمات والأعمال إلى القطاع الخاص كان في واقع الحال عملية استيلاء وهيمنة إقطاعية وضعت القطاع الخاص كما الموارد والمؤسسات العامة أيضا لصالح قلة من المواطنين.
السلوك الإعلامي للحكومة يودي بها وبالأزمة أيضا إلى فشل ينمو مثل متوالية حسابية، فالتصريحات الحكومية والبث الإعلامي المؤيد لها يزيد الأزمة سوءا وكأن الحكومة تعمل ضد نفسها، أو تريد أن تقول للمواطنين أنه ليس ثمة مشاركة عامة وأن العقد الاجتماعي (القديم والجديد) ليس سوى قصة من قصص ألف ليلة وليلة، وإذا كان الواقع المتعين يعكس فكرة عميقة داخلية تحدده وتصممه فإن الفكرة العميقة التي تحرك الأداء الإعلامي الحكومي تؤشر إلى الانفصال عن الواقع والعزلة الشعورية والفيزيائية عن الناس والبلدات والمدن والمحافظات والطبقات والفئات .
بدأت الأزمة بالطبع ولا بأس بتكرار القول بإدارة الحكومة للاعتصام الذي كان يخطط له المعلمون، ويبدأ الحل باعتراف الحكومة بهذا الخطأ ومحاسبة “المؤزّمين” واستبعادهم، ثم الانتقال من الإعلام إلى المدارس والعيادات والميادين العملية والإنتاجية لأجل استعادة وتفعيل عمل جميع المؤسسات الخدمية والعامة في الإطار الذي يتيحه الإنفاق الجاري بالفعل، فلا يجوز أن ندفع على المؤسسات ثم لا تعمل، ولا يعقل أن يكون عدم وجود المؤسسات والوظائف أقل كلفة من وجودها.
إبراهيم غرايبة