الرئيسية مقالات واراء
أحداث اليوم -
يشهد المجتمع الأردني لحظة فارقة ستحدد شكله وتوجهه خلال عقود قادمة، ولنقل بأن الأردن ليس وحده الذي يشهد توترات اجتماعية تعكس هذه اللحظة الحاسمة في صياغة المجتمع الحديث، فالصراع يحتدم بين المحافظين الذين يرغبون في التمسك بظروفهم ومواقعهم الحالية من جهة، والمتطلعين والمتشوقين للتغيير من جهة أخرى، ومن يود التعرف على مدى التوتر فعليه أن يذهب إلى اليوتيوب ليشاهد جلسات مجلس العموم البريطاني حول البريسكت التي تشبه ما يقدم في الأفلام الكوميدية لدرجة أن رئيس المجلس جاكوب ريس تمدد بصورة استفزازية على المقاعد الأمامية ليعكس ضجره من الحوار حوله.
نصيبنا من موسم التحولات أتى من خلال اعتصام المعلمين الذي أخذ يهدد استكمال العام الدراسي بطريقة لائقة، وبعد أن كاد الاعتصام برسم الوصول إلى كتلة حرجة تستطيع أن تقود تغييراً اجتماعياً اعتماداً على عامل حجمه الواسع مع أكثر من مئة ألف معلم، وباستثمار قيمة المعلم الاجتماعية وقدرته على التواصل، وجدت الحالة من يجهضها مع خطاب التأجيج الذي مارسته بعض قيادات النقابة.
لم تنحز النقابة للحظة تاريخية جعلتها تحصل على التعاطف الواسع بين الأردنيين، وذهبت لحسابات الشعبية ومعادلات انتخابية داخل النقابة، وبذلك تراجعت القضية أصلاً عن مداها السياسي الاجتماعي لتصبح قضية مطلبية بحتة، وأهدت النقابة الحكومة المخرج المناسب الذي يعفيها من التفاوض حين قدمت تنازلاً كبيراً حول المسار المهني لم تتلقفه النقابة للنزول عن الشجرة بطريقة مشرفة، مع الحصول على أفق مناسب لاستكمال مسارها المطلبي.
ينتقل أهالي الطلبة من موقعهم المؤيد للمعلمين إلى موقع متردد يطالبهم بوضع مصلحة أبنائهم في الاعتبار، وينتقل المترددون الذين لم يشكلوا موقفاً إلى الجانب الآخر ويتخذون موقفاً سلبياً من الإضراب ومن المعلمين.
الانتقال من المطلبي إلى السياسي مسألة تستوجب الكثير من الحذر، وأن يتوقع المعلمون أن تكون قيادتهم النقابية على درجة من الوعي بالنتائج بعيدة المدى للتعنت في حراكهم ومحاصرته في جانب العلاوة دون التعرض لتحسين العملية التعليمية ككل، وهو الدور الذي توقعه المتحمسون للحراك النقابي، وهو ما كان سيوفر مجموعة من المكاسب الصغيرة للنقابة تعزز من صورتها الاجتماعية ويجعلها محركاً رئيسياً للعقل الجمعي في الأردن.
المغامرة بسمعة النقابة ومهمة المعلم تفوت على القيادات الذين أخذوا يحتكرون الحديث عن المعلمين ويتخذون مساراً تصعيدياً في خطاباتهم، والمعلمون بحاجة اليوم إلى خطوة خارج الاستغلاق القائم لمصلحة الطلبة الذين ينتظرون تحديد مصير عامهم الدراسي.
سامح المحاريق