الرئيسية صوتنا
أحداث اليوم -
عهود محسن - يحزننا ما وصلت إليه هيبة سياسيينا ومسؤولينا من انحدار وإضاعة للغة الدبلوماسية والوقار التي عرف بها رجالات الأردن السابقين، فمن يتصدرون المشهد الآن سواء من داخل الحكومة أو خارجها يعكسون حجم التراجع الكبير في منظومة الإدارة والحياة العامة.
لسنا كهول ولا طاعنين في السن لكننا لا نذكر بحسب ما سمعنا من تاريخ محكي وقرأنا أن الخلاف في الأردن على أي قضية وصل لمرحلة كسر عظم ولعب على المفاصل الحساسة للسلم المجتمعي كما يجري الآن في اضراب المعلمين.
إضراب المعلمين قضية مهنية مطلبية وهي الآن منظورة أمام القضاء على الرغم من اتساع دائرة المؤثرين والمتأثرين فيها على طول البلاد وعرضها ولا تستدعي التجييش وتبادل الاتهامات والاصطفافات والانسحابات التي نشهدها منذ دخول الاضراب أسبوعه الرابع.
القصة لا تحتاج للكثير من التفكير والجدال فالأردني وجد في حراك المعلمين بديلاً صلباً ومنظم للخطاب مع الحكومة، وهو ما يمكن اعتباره تحولاً عميقاً لبنية الحراك الاجتماعي والاقتصادي المبني على توافق شعبي واستعادة لفكرة القيادات والمثل الأعلى في قادم الأيام.
رئيس الحكومة عمر الرزاز أحد مبررات الهجوم الشعبي على حكومته واحتضان حراك المعلمين شعبياً حتى من أولئك الذين رحبوا بخلافته لهاني الملقي، فما تحدث به إبان توليه رئاسة الوزراء من مثاليات ودعوات للنهضة والحرية واستشهد به من أقوال بن خلدون أصبحت حجة علية يدان بها مع كل صباح جديد لتأزيم العلاقة بين الحكومة والشارع بالضغط لإسقاط حراك المعلمين.
فيما تحدث نائب نقيب المعلمين ناصر النواصرة والمستشار القانوني للنقابة المحامي بسام فريحات في بث مباشر لإيضاح الموقف القانوني للنقابة بعد تسلمهم رسمياً بلاغ المحكمة الإدارية بوقف الإضراب خلال دقائق من بدء المؤتمر الصحفي للنقابة وصل عدد متابعي المباشر إلى عشرات الآلاف، وعدد المشاركات تعدى ١٢٠٠ شير وتعليقات بالألوف، وبعد ساعتين وصل إجمالي المشاهدات لأرقام فلكية.
خطاب النقابة الإعلامي واضح لا لبس فيه، يظهر مدى ثبات المعلمين وتنظيمهم وإيمانهم بمطالبهم، بينما يترنح خطاب الحكومة خجولاً حرجاً ليخرج مرة من خلال رسائل sms تدعو الأهالي لإرسال أبنائهم للمدارس ومرة بيافطة وأخرى بشكوى وزير التربية والتعليم وخوفه من الحبس عبر تصريح صحفي، وهذا كان أكثر الرسائل الإعلامية خطورة فتباكي الوزير وعدم معرفته بخطوات استدعاء الوزراء للقضاء كسر يصعب جبره.
لطالما مرت على الأردن أزمات أكثر صعوبة من إضراب المعلمين، إلا أن حضور وهيبة رجالات الدولة وسياسييها كانت تحتويها وتحلها بأسلس مما نتخيل فقد كانوا أبناء بيئتهم يتحدثون بلسان قومهم ويأكلون طعامهم ويتنفسون هوائهم وصفي وهزاع وحابس رحمهم الله جميعاً كانوا أبناءً للأرض بسمرة لونها وعطر ترابها، ولهذا يبكيهم الأردنيون ويبحثون عمن يخلفهم.
خلال الإفادة الصحفية للرئيس الرزاز التي جرت في رئاسة الوزراء حضرتنا الآية القرآنية الكريمة (وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ، وكان بودنا لو نستطيع القول للرئيس ومن معه نستحلفكم بالله ألا تجعلوا الأردن عرضة لأيمانكم.