الرئيسية مقالات واراء
أحداث اليوم -
يمثل حراك المعلمين لحظة مؤسسة للوعي الأردني العام، وسوف تكون هذه اللحظة غالبا بداية لتحولات مهمة وجوهرية في الانتخابات النيابية والنقابية والبلدية لتكون ببساطة ووضوح تعكس الاتجاهات العملية والجدل بينها، وبرغم أنها حقيقة بديهية بالغة البداهة لكنها ظلت منسية في الأردن، وظلت البرلمانات والنقابات تتشكل وتعمل بعيدا عن فكرتها وهدفها المنشأ، وصار هذا الخلل العميق في العقد الاجتماعي فكرة أساسية تبدو هي الأصل والصواب، بل ويعد الخروج عليها سببا للاتهام والشعور بالخطأ!
الديمقراطية بما هي تعرف على نحو تطبيقي بالانتخابات تعني بالضرورة علاقة بين بشر متساوين في العزة والكرامة حتى لو كانوا غير متساوين اقتصاديا واجتماعيا. لقد كان الانفصال بين الانتخابات وبين الوعي بالمساواة سببا في إجهاض العملية السياسية برغم تكرار الانتخابات والالتزام القانوني بنتائجها، وفي ذلك نشأت أيضا متوالية من الانفصال بين إدارة وتنظيم الموارد والمؤسسات العامة وبين إرادة ومصالح المواطنين، وتكرّس على مدى الزمن والتجارب أن المعارضة مستمدة من قيم واعتبارات يغلب عليها أنها مختلفة عن مصالح وحياة الناس الأساسية واليومية، وأنشأت جماعات واتجاهات “المواقف والسياسات الخارجية والأيديولوجية الكبرى” ركودا اجتماعيا جعل المجتمعات تواجه وحدها قوى السوق والاحتكارات.
لقد دخل الأردن مثل معظم دول العالم في مرحلة من التحولات الكبرى، وهي وإن كانت واضحة في إدارة وتنظيم المؤسسات العامة والأسواق على أساس إسناد جزء كبير من المؤسسات والخدمات إلى القطاع الخاص فإنها تحولات لم تستحضر أو تستصحب الاستحقاقات السياسية والاجتماعية، إذ إنها تعني بالضرورة ديمقراطية حقيقية قائمة على التنافسية والولاية على السلطة التنفيذية ومجتمعات مستقلة وفاعلة قادرة على تنظيم نفسها، لكن التعولم الأردني كان عمليات استئثار بالموارد والسلطة والتأثير وإضعاف للمجتمعات، وتركها تواجه قوى السوق من غير إسناد أو حماية، بل ويا للهول جرى إضعاف وإهمال للخدمات الأساسية والقطاع العام، وبطبيعة الحال فما من واقع قائم أو يتشكل إلا ويتحول إلى مصلحة لفئة من الناس تدافع عنه وتقاوم تغييره. هكذا فإن الحياة السياسية دفعت باتجاه مواجهة مريرة بين المجتمعات وبين تحالف السلطة والشركات، وتحولت إلى انقسام اجتماعي بين أغلبية تمضي إلى التهميش والحرمان وقلة تستأثر بالموارد والفرص، ولم يكن حراك المعلمين ثم الرد الحكومي سوى تعبير عن الفجوة العميقة بين مكونات الدولة والمجتمعات.
سوف يعود المعلمون والتلاميذ إلى مدارسهم، لكن الأردنيين لن يعودوا إلى ما كانوا عليه. ويجب أن تدرك الحكومات أنها تواجه استحقاقا جديدا في علاقتها بالمواطنين والموارد العامة وفي طريقة إدارتها للمؤسسات والإنفاق العام، وأنها لن تظل قادرة على السلوك كطبقة مستقلة عن المواطنين أو مستعلية عليهم، وإذا كانت الحكومة تعتقد أنها في مواجهة مع المواطنين وأنها تريد أن تكسر إرادتهم فإنها تعمل ضد واجباتها الموكولة إليها لأن وظيفتها الأساسية هي خدمة المواطنين ولأنها تعمل لدى المواطنين ولأنهم (المواطنون) يمولون الحكومة والميزانية العامة من مالهم ومن قوت عيالهم.
لا يضير الحكومة بل يشرفها أن تستجيب لمطالب المواطنين أو فئة منهم وتحقق تطلعاتهم. وأما إذا كانت تتوهم علاقتها بالمواطنين وبالسياسة العامة قائمة على الهيمنة والاستعلاء والخوف؛ فإنها تلحق بنفسها عارا إلى الأبد. بل انه عار سوف يلحق الأبناء والأحفاد. يجب أن يفكر رئيس الوزراء والوزراء فيما يقولونه ولأنفسهم وأبنائهم.. وللتاريخ أيضا، وأن يفسروا سلوكهم وسياساتهم كمستأمنين من قبل المواطنين.
إبراهيم غرايبة