الرئيسية مقالات واراء
إشكالية توظيف حملة شهادات الدكتوراه في الأردن، بدأت تتفاقم خلال السنوات السابقة، بعد أن تخرج “طوعيا” عشرات من حملة شهادات الدكتوراه في مختلف التخصصات العلمية والإنسانية، من جامعات عربية وأجنبية وأيضا أردنية.
لكن ما حدث مع وزارة العمل مؤخرا، وبعد إصدار قرار ربما لم يدرس بالشكل الكافي، أنه تعامل مع المشكلة بالعموم، بدون النظر إلى متطلبات العمل وشروطه المعتمدة من قبل وزارة التعليم العالي، ما أدى إلى تفاقم الوضع مترافقا مع إرباك شديد في أروقة الجامعات الحكومية والخاصة.
فمشكلة المتعطلين عن العمل من حملة الدكتوراه، ليست من اختصاص وزارة العمل وحدها. بل إن الأمر يتطلب دراسة معمقة وعلمية تتناول عناصر الإشكالية ومنحنياتها الأكاديمية والوظيفية معا.
كان من الأجدى أن يتسلم زمام أمر حملة الدكتوراه الأردنيين، وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، ممثلة بهيئة الاعتماد تحديدا، والتي تتضمن شرورطها في اعتماد التخصصات والكليات وحتى الأساتذة، مجموعة من المطالب ربما لا تتواءم وظروف الأكاديميين الباحثين عن الوظيفة في الجامعات الوطنية.
فعلى سبيل المثال، يتطلب الاعتراف بتخصص معين، وجود عدد من الأساتذة الجامعيين من رتبة الأستاذ المشارك. وهذا بحد ذاته إشكال يواجهه الدكاترة العاملون في قطاع التعليم الجامعي. فشروط الترفيع بحد ذاتها، لم تمنح فرصة كبيرة لمئات الأساتذة ليتم ترفيعهم إلى رتبة أستاذ مشارك، مطلوب لاعتماد التخصص، كما هو حاصل في دول عربية مجاورة.
هنا، تضطر كثير من الكليات إلى الاستعانة بأساتذة غير أردنيين لملء هذا الفراغ، إلى حين تحقيق شروط الترفيع زمنيا وعلميا وبحثيا للأساتذة المساعدين. هذا الخلل هو السبب الرئيسي في عدم توفر فرص للخريجين الجدد من حملة شهادات الدكتوراه ضمن جامعاتهم المحلية.
ومن جانب آخر، أعتقد أن خيارات دراسة بعض التخصصات للخريجين لم تكن موفقة، بحيث أصبحت أعداد الخريجين من كلية واحدة تتجاوز بكثير متطلبات التوظيف فيها.
وهذا أيضا مرده إلى شروط الاعتراف بالشهادات الجامعية العليا من قبل الوزارة، والتي لا تعترف بشهادة لم يقم صاحبها بالإقامة في بلد الدراسة ما يعادل الثمانية أشهر في عامي تحضير رسالة الدكتوراه. الأمر الذي دعا كثيرا من الباحثين عن الشهادات العليا، وخصوصا الإناث منهم، إلى دراسة تخصصات قليلة متوفرة في الأردن. والتخصصات القليلة أيضا تعود إلى شروط الاعتراف ببرامج الدكتوراه في الجامعات الوطنية!
يعني الدجاجة أم البيضة، معادلة يستحيل حلها إلا من الوسط!
نحن بحاجة فعلا إلى إعادة قراءة شروط الاعتراف ببرامج الدكتوراه، بحيث تفتح مجالا أوسع لخيارات متطلبات سوق العمل، وتمنح الراغبين في إكمال تعليمهم الجامعي، فرصا في شهادات الماجستير والدكتوراه تتوافق علميا مع الشهادة الأصلية، وليس الالتفاف حول مجالات معرفية تدور في فلك الشهادة الأصل، ولكنها لا تخدم خريجيها بعد نيل الدرجة.
ثم إن الاستمرار في ابتعاث الطلاب الأردنيين، للدراسة في جميع المجالات التي يتطلبها سوق العمل، هو جزء من حل الإشكالية من جذورها.
وبالمناسبة، فإن الزوبعة التي أثيرت بعد قرار وزير العمل، لم تأت بجديد حين ألحق القرار بعبارة “كل حالة على حدة”. لأن هذا هو الحاصل فعليا عند توظيف أي كادر خارجي؛ الإعلان عن الوظيفة في الصحف المحلية، يتبعه طلب متابعة مع ديوان الخدمة المدنية. وبعد التأكد من عدم توفر البديل الأردني، تتم الإستعانة بالأساتذة الخارجيين، وهم في الحقيقة خبرات علمية وأكاديمية، تتلمذ على أياديهم آلاف الطلبة الأردنيين والعرب، وليس من شيمنا إنكار فضلهم علينا.
حملة شهادات الدكتوراه من حقهم العلمي والأدبي أن يحصلوا على وظائف في وطنهم. لكن الأمر برمته مسؤولية وزارة التعليم وهيئة الاعتماد. أما وزارة العمل فمن المفترض أنها تتابع تحقيق الشروط المنصوص عليها، أو تخاطب الوزارات الأخرى في هذه الشروط.