الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    عالم قادم لا يمنح مكانا للفاشلين

    لم يعد الحديث عن التحولات الشاملة المصاحبة للثورة الصناعية الرابعة تقديرا مستقبليا، لكنها تحولات أصبحت حاضرا قائما، لكنها برغم ذلك تبدو عصية على الفهم والاستيعاب والتكيف والاستجابة، ربما لأسباب عدة؛ فما نزال نحاول التفكير والتخطيط للحاضر والمستقبل والموارد والأعمال بأفكار وأدوات ومؤسسات تنتمي إلى مرحلة آفلة، ولم ننشئ أو نستخدم بعد المؤسسات والقيم والرؤى المفترض تشكلها في مرحلة جديدة، وعلى سبيل المثال فإننا نتجادل في التعليم والمناهج دون الأخذ بالاعتبار التدفق والتداول المعرفي الهائل وبلا حدود؛ والفرص الممكنة للتعلم والتعليم خارج المؤسسات التعليمية والمركزية، وما نزال نترك أنفسنا تنخدع بوهم استمرار تنظيم التعليم والمناهج كما كان يجري قبل الشبكية.
    وبالطبع فإن مصالح ومؤسسات وطبقات قائمة تتضرر أو تتأثر بالتحولات، كما تنشأ أو تصعد مصالح ومؤسسات وطبقات أخرى جديدة، وهكذا تتحول فرص وتحديات الشبكية إلى صراع اجتماعي اقتصادي، الطابعات ثلاثية الأبعاد على سبيل المثال تغير في خريطة الإنتاج والتجارة والعمل، ما يؤثر على مصالح وأعمال تجارية ومؤسسية قائمة، والتعليم من خلال الشبكة يتحدى المدارس والمهن والمناهج والقيم التعليمية.
    وربما يكون السبب الأكثر تأثيرا وإعاقة في استيعاب العالم القادم ومواجهته هو التحول العميق والجذري في التنظيم الاجتماعي والسياسي والأخلاقي، فالمؤسسات التقليدية القائمة اليوم مثل المدارس ووسائل الإعلام والمؤسسات الدينية والإرشادية تعمل لصالح السلطة السياسية والنخب الاجتماعية والاقتصادية وليس لمصلحة الأفراد، إنها ببساطة تعمل لإعداد وتنظيم وضبط وتهيئة الأفراد والفاعلين الاجتماعيين لأعمال ومواقع وأدوار تحددها السلطة والنخب ولا يحددها الأفراد.
    لكن الفرد يصعد اليوم في ظل الشبكية مكونا مستقلا عن الاطر الاجتماعية والمؤسسية والنقابية، فالعالم المتشكل والقادم على الأقل في مرحلته الانتقالية والتأسيسية هو عالم أفراد وليس عالم جماعات أو أحزاب أو نقابات أو سائر أطر الانتماء والمشاركة والتنظيم السائدة اليوم والتي تواجه أزمة وجودية إن لم تعصف بها فإنها تعيد تشكيلها من جديد على نحو مختلف اختلافا كبيرا عن الواقع السائد.
    الفرد اليوم هو أحد المفاتيح المستقبلية للبقاء و التقدم، وفي ذلك فإننا نحتاج إلى أمرين بديهيين: الفرد القادر والفاعل بذاته ووحده على العمل والتفكير والإبداع والمغامرة وفتح طرق جديدة للحياة، طرق ربما لم تكن موجودة من قبل، والأمر الثاني هو الاستماع إلى الجيل الجديد بمن فيهم الأطفال للمساعدة في التفكير والبحث والتأمل، فربما تكون الأجيال الجديدة أقدر على الإجابة والتأمل والتركيز أفضل من الأجيال السابقة، إننا في مرحلة من تاريخ الإنسانية يعلم فيها الأبناء الآباء، وكما نلجأ ببساطة إلى أبنائنا ليرشدونا في استخدام الحواسيب والهواتف النقالة أو يعلمونا على استخدام التطبيقات الكثيرة، فإننا في حاجة (ربما) أن نلجأ إلى أبنائنا لإنشاء فلسفة جدية للحياة والسياسة والاقتصاد.
    ستكون الأولوية القصوى للأمم في العمل والإنفاق هي رأس المال الإنساني على النحو الذي يساعد على وجود الذات الفاعلة، وذلك ببساطة بتوفير أفضل فرص التعليم والصحة، فليس لدينا لمواجهة التحديات القادمة والبحث عن مكان في عالم كما وصفه شيمون بيريز في كتابه الصادر في أوائل الثمانينيات بعنوان إسرائيل على عتبة القرن الحادي والعشرين “لا عذر فيه للجهلة ولا مكان للمتخلفين” سوى أن نزود المواطنين جميعهم بلا استثناء بالمعرفة والمهارات والقيم التي تمكنهم من البحث عن مكان في هذا العالم، وأن يكونوا بالطبع يتمتعون بصحة جيدة وكافية لاحتمال العمل واكتساب فرص العيش حياة أطول، هكذا على الأقل إذا لم ننشئ أعمالا وفرصا اقتصادية سيكون لدينا مواطنون قادرون على البقاء ومحاولة تحسين بقائهم والبحث والتفكير والتأمل فيما يمكن عمله.





    [01-11-2019 09:17 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع