الرئيسية مقالات واراء
تتوالد الإحصائيات الحكومية يوما بعد آخر عن حال الأردنيين,وحال حقوقهم ,في حين تتوارد الأخبار في اليوم العالمي لحقوق الأنسان عن أن الأردن قطع أشواطا في تحقيق الحقوق المنشودة , وما بين النظرية والتطبيق , دعونا نقف على أرضية الواقع بكل شفافية.
كتبت وزارة العدل عبر موقعها الرسمي ذات يوم خبرا يفيد بأن الأردن حازعلى إعتراف دولي بأنه الأول عربيا في حقوق الإنسان، وحصل على تصنيف متقدم عالميا بإحتلاله المرتبة 78 على مستوى العالم. تصنيف معقول ولكن هل نصدقه ؟؟؟ وكيف نفسر ماوصلنا له من إنتهاكات لحياة المواطن المعيشية والإعتقال السياسي وإحتجاز حرية المواطنين حتى لو كتعبير قيل على شبكات التواصل الإجتماعي؟!, والعنف وأحيانا التعذيب خلال فترات التوقيف والإعتقال وهي في كل الأحوال مسألة تنفيها السلطات الأمنية مرارا وتكرارا. إضافة إلى الإعتماد على محاكم خاصة وإستثنائية خارج نطاق القضاء المدني مثل محكمة أمن الدولة.
لن أدخل في مضمار الوهم والمجاملات بل سأعتمد ميزان المصداقية , ياتي اليوم العالمي لحقوق الإنسان بالتزامن مع وجود 160 ناشطا سياسيا وإجتماعيا في الإعتقال لأسباب عدة أولها حريات الرأي و التعبير وتجاوز السقف , وفي سجون الجويدة وسواقة وباب الهوى وغيرها من السجون الأردنية نجد خليطا من السجناء منهم من أعلنوا اضرابهم عن الطعام ,ومنهم من فقد الأمل بضمان شروط المحاكمة العادلة .ونجد في الجهة الأخرى توقيف إداري بدون أي محاكمة تخضع للسلطة القضائية.
ولغاية الآن لا تجاوب لإنضمام الأردن للبروتوكول الإختياري الملحق بإتفاقية مناهضة التعذيب الدولية، وإنشاء صندوق وطني خاص لتعويض ضحايا التعذيب، وسوء المعاملة، لتعويضهم ماليا وإعادة تأهيلهم.. وهذا إنتهاك صريح للحقوق.
ينتهك الأردن المادة 19 من العهد المدني للحقوق المدنية والسياسيّة , التي تؤكد على عدم جواز تقييد الرأي، بل أن مصطلح معتقلي الرأي مصطلح شائِع في الأردن لكنه غير قانوني، اي عدم وجود مصطلحٍ لـ”معتقل الرأي” في القانون، وتختلف التهم المنسوبة فيمكن أن تكون ذم و قدح و تحقير و هذه التهم موجودة في قانون العقوبات وبالتالي لا تخضع لمحكمة أمن الدولة.
كذلك المادة 100 من قانون المحاكمات الجزائية التي تنص على أنه لا يجوز توقيف الشخص من دون مذكرة توقيف من المدعي العام و يجب أن تحتوي على تهمته و أن يتم إبلاغه فيها كل هذه الأشياء إلا ان منفذي القانون لا يلتزمون بها.
ونصطدم في 2019 مع قانون الجرائم الإليكترونية المثير للجدل والذي يجرم خطاب الكراهية، ويعرفه بشكل غامض بأنه "كل قول أو فعل من شأنه إثارة الفتنة أو النعرات الدينية أو الطائفية أو العرقية أو الإقليمية أو التمييز بين الأفراد أو الجماعات". مما يؤدي إلى التضييق على حرية التعبير على الإنترنت بشكل فضفاض غير مفهوم.
شهد الأردن ظروفا صعبة ودقيقة في 2019 لم يشهد مثلها منذ تأسيس الدولة قبل قرابة القرن، ومن الطبيعي أن تؤثر في المزاج الوطني، وفي حالة حقوق الإنسان كذلك ، لنشهد حالة من القلق والإحباط تسيطرعلى المجتمع وسط أجواء من الترقب والإنتظار لشيء قادم، وجُله عكس ما يتمناه ويطمح إليه المواطن، وقد يُطيح بكل آماله وطموحاته. ولا أحد يستطيع إنكارهذا المشهد العام مع خيبة شعبية من الإصلاح السياسي والإقتصادي , وأن الحالة العامة في البلاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا بلغت مرحلة حرجة ، وهو ما عمق الفجوة بين المواطن والدولة وبروز التوجهات السلبية بين صفوف المواطنين...وهذا بحد ذاته يعتبر إنتهاكا صارخا من قبل الدولة بإتجاه المواطن وتنتهك حقه السياسي وحق المواطنة والمشاركة وتقع على الحقوق السياسية،والإقتصادية والإجتماعية، خاصة مع اللجوء والإعتماد على المقاربة الأمنية بشكل لافت.
بل ان الدولة انتهكت حقوق المواطن مع تفاقم المديونية وعجز الموازنة و مع إرتفاع معدل التضخم وتخلي الدولة عن دورها، ودون برامج حماية إقتصادية وإجتماعية فعالة كما تقتضي الحاجة. فقد وصل الفقر الى 56 % والبطالة زادت عن 20%, وتعديل القوانين إعتبرها المواطنون "غير دستورية" ومحاربة الفساد بلا فاعلية .والعجز عن توفيرالحق بمستوى معيشي لائق، والحق بالعمل والتعليم والصحة، ولم تشهد الأوضاع الاقتصادية أي تحسن خلال عام 2019 مما أثر سلبا على تمتع المواطن بمستوى مقبول من الغذاء والسكن والمياه والصرف الصحي.
و استناداً إلى خط الفقر للفرد في الأردن البالغ 814 ديناراً ، فإن الأسرة المكونة من خمسة أفراد انزلقت تحت خط الفقر وهي غالبية الشعب الأردني .وبالتالي عملت الدولة على تحويل المجتمع الى فقراء .. رغم مبادرة الحكومة في 2019 بزيادة الرواتب للموظفين والمتقاعدين لتحسين أحوالهم الا ان الوضع المعيشي مازال سيئا خاص مع تخوف شعبي من زيادة الأسعار او الفواتير الخدمية او هبوط الدينار .لذلك وجب على الحكومة التخلي عن سياسة التجويع إتجاه الشعب واستنزافه.
تشير الأرقام الى وجود 330 ألف إمراة مهددة بالسجن بسبب عدم قدرتهن على سداد قروضهن من البنوك . تعرضن للعنف الإقتصادي بسبب إجبارهن على أخذ قروض أو سدادها أو كفالة أسرهن بل وصل الأمر في الأردن الى ما يسمى ب “تأنيث الفقر” الذي يزيد من أعداد النساء الفقيرات والمهمشات وغير القادرات على إعالة أنفسهن وأسرهن ويوقع العديد منهن في مشاكل قانونية ويتم إستغلالهن بمختلف الطرق والوسائل.
بل الدولة انتهكت حق المادة 11 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بحبس المدين اذ يقدرعدد المتعثرين ماليا داخل الأردن بنحو 300 ألف شخص ويصل عددهم مع عائلاتهم الى أكثر من مليون ونصف المليون شخص.كما لجأ آلاف المتعثرين إلى مغادرة البلاد هرباً من العقوبة ، تاركين خلفهم أسرهم في مواجهة عقبات مادية واجتماعية. يقدر عددهم بالآلاف .
وللأسف يتم مصادرة حقهم بتجديد جوازات سفرهم وهو إنتهاك صارخ لحق التنقل في مخالفة دستورية واضحة وإنتهاك للمادة 13 و12 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. حيث لا يُسمح لهم بالسفرأوعيادة الطبيب أوالحصول على وظيفة أو فتح حساب مصرفي أو شراء منزل، أو حتى الزواج كذلك يتعرض المتعثرون ماليا الى ما يشبه التهجير القسري لخارج البلاد .أو ما يسمى الحجز بالاكراه عن طريق الإختباء من التنفيذ القضائي لمدد زمنية مختلفة في أماكن معزولة عن الحياة خوفا من الحبس . كذلك يتعرض الأطفال هنا لإنتهاك صارخ لطفولتهم وحقوقهم الفردية وحق الهوية وحق الحماية وحق الحرية وحقهم في العيش بكرامة ضمن إطار الإسرة والعائلة وإنتهاك طفولتهم بجرهم للعمالة وإعالة أسرهم .وهو إنتهاك يقع على مسؤولية الدولة. و تحت إطار مسؤولية الحكومات المتعاقبة في حفظ الأمن المجتمعي وتحقيق التوازن الاقتصادي، ومحاربة الفساد، وتخفيض الضرائب.
ونتيجة التفكك الأسري والفقر شھد العام الدراسي 2019 ارتفاعاً في أعداد الطلبة المتسربین في المدارس، خاصة المرحلة الأساسیة . اذ بلغ عدد الطلبة المتسربین 6182 طالباً وطالبة في غياب واضح لحق التعليم تكفل الدول نظامًا تعليميًا جامعًا على جميع المستويات وتعلمًا مدى الحياة.
ومع إنتشار العنف في المجتمع الأردني أظهرت دراسة صادرة عن المجلس الإقتصادي والإجتماعي عن المخدرات في الأردن أن “الجوكر” وحبوب الكبتاجون تنتشر بسرعة بين الشباب، وخاصة الفئة العمرية من (12-25) عاما.، ويباع بسعر زهيد وقد أرتكب الكثير من العنف جراء التعاطي اخرها اقتلاع رجل لعيني زوجته بعنف صارخ لآدميتها . وبلغ عدد الأحداث الموجودين في دور الأحداث بقضايا تعاطي وتوزيع وترويج مواد مخدرة 304 حدث،.وبلغ مجموع الجرائم العام الماضي 18400 جريمة.
كما شهد الأردن في 2019 فتح ملف البدون او الشخص عديم الجنسية والذي لا تعتبره أي دولة مواطناً فيها بمقتضى تشريعها. وازداد عدد هؤلاء نتيجة استمرار السياسة ذاتها في السنين اللاحقة لتشمل البدو في الشمال وكذلك الفلسطنيين الذين سحبت جنسيتهم الأردنية رغم أحقيتهم بها ، دون إفصاح الجهات المعنية عن عددهم.وهذا مناف لحقوق الإنسان.و تقييد لحريتهم، ويتوارث أطفالهم ذات المشاكل المرتبطة بالعيش بلا جنسية، ويحرمون من حقوق أساسية كالحق في التعليم والحصول على الرعاية الصحة، وهو ما يعد تدميراً كلياً لحياتهم.
وهنالك انتهاكات عدة منها تراجع قطاع التعليم والافراج عن 22 معتقل في سجون اسرائيل و30 معتقل في السعودية وعدم سماح السلطات للمراكز الحقوقية بزيارة المراكز السجنية مثل المراكز الأمنية، و مراكز الإصلاح . ودور الدولة فيما يخص قانون الحماية من العنف الاسري كذلك حماية حقوق العمالة المهاجرة.كذلك وضع اللاجئين السوريين في الركبان والحدلات .ووضع قانون مدني لغير المسلمين ، و التضارب بين القوانين المحلية والصكوك الدولية.
ومن هنا وجب على الحكومة الأردنية أن تعالج، على وجه السرعة، هذه الانتهاكات وان تعي ان الإصلاح شورى والحقوق قضاء والشعب رهان .