الرئيسية مقالات واراء
وهل من الممكن أن نعيش تلك الحياة بلا قلق..؟ قد يعتقدها البعض ضربا من الخيال أو الجنون..؟ ولكن العُقّال يعلمون أننا خلقنا لنحيا بلا قلق، لأنهم عرفوا أن القلق سببه الأوهام والظنون وخداع البصر والبصيرة وسوء التقدير ليس أكثر، وعرفوا أنها.. وأنه حق قليل وباطل كثيف، وعلموا أن الإنسانمبتلى بالأوهام أكثر من الحقائق.
ولا بد أن كل عاقل عرف أن القلق يقوده لتلوين حياته بألوان قاتمة معتمة مظلمة وظالمة وكلها من صنع نفسه لا عقله، فالقلق من مصادره ذلك الصراع الدموي والحرب الطاحنة بين العقل والقلب والنفس مجتمعين.
أصحاب النفوس المطمئنة لم يتبعوا الهوى والإشاعات الكاذبة والخرافات السمجة والشرود والتخمين والظنون بل تحروا الحق والهدى حينا بعد حين وفي كل لحظة، والتمسوا لأنفسهم صراطا مستقيما واجتازوا فيه مشكلات الحياة وقلقها، بل ساعدوا غيرهم لالتماس الحق وتمييز الخبيث من الطيب والحق من الضلالة.. ليست ضلالة الدين فقط بل ضلالة الفكر التي أوصلت صاحبها إلى الحزن والخوف والقلق.
دواء القلق إطالة النظر والتأمل في الأمور ببصيرة العقل لنجمع حقائقا واضحة لا ظنونا وتخمينات، والابتعاد كل البعد عن هوى القلب وتصوراته وسرابه، فالحب والكره يصيبان البصر والبصيرة بالعمى فلا تكاد ترى شيئا أو تميزه، فيجب علينا ألا نُحكّم الكره والحب بخياراتنا وفكرنا، بل نحكم العقل والمصلحة حتى لو كانت فيما نكره.
وباب آخر لعلاج القلق هو تقييد الرهبة والخوف من المآزق والمشكلات، وضبط العقل أمام الحيرة وإطلاق التفكر العميق لا التفكير السطحي، ومن أشكال إطلاق العقل كظم الحزن والغضب والانفعالات وطرح الريبة منه.
إن عدم المبالاة بشكل معقول بعد اختيار الحلول حتى لو كان أحلاها مرا هو من أشكال التعقل والتخلص من القلق، ولكن الشرط هنا أنا ندرس ونبحث في جميع الحلول المُتاحة وألا نسترشد الهوى أو الخوف في اختياراتنا فتكون النتيجة علينا لا لنا.
القلقون مصابون من الداخل لا من مشكلاتهم الخارجية، فهم تخلوا عن الشجاعة في مواجهة المشكلات والفطنة في حلها، ففسد الحكم نتيجة لذلك، فأوقفوا العمل، وتقهقروا بدل أن يتقدموا.
البطولة في مواجهة القلق تكمن في الجرأة، والمجد والنجاح لا يكون في إطالة التفكير السلبي المريض، بل يكون في اتخاذ القرار والتحرك والتوجه بعيدا عن الإحجام والتردد، فالتردد هو الابن الشرعي للقلق والأخ الشقيق للجبن والتوجس وعدوان للعزم والقوة..
وما الخوف إلا ما تخوفه الفتى وما الأمن إلا ما رأه الفتى آمنا