الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    الأخلاق تخلد أصحابها

    م. محمد مرشد حمّاد - الأبناء نربيهم ونقدم لهم ما يحتاجون من أدب وثقافة ومال , حتى الأفكار التي نتبناها ننقلها لهم فغالبا هم إنعكاسا لما نحمل بين ظهرانينا من ثروة ثقافية ومادية , والوطن كالإبن يحتاج منا التفاني وحسن العمل وإنكار الذات و طيب السلوك ليتطور ويصبح صرحا للثقافة والعمران ومنبعا للأخلاق ولا يدفع ضريبة تخلف السلوك الحضاري التي تحول و نهضته.


    ثقافة الوطن وهويته وثروته ليست نتاج قوانين تطبقها مؤسسات الدولة لتعاقب من يخالفها وتترك من يمتثل لها , وليست فريقا رياضيا نهتف له في المنافسات ونعيث فسادا بملاعبه بعد إنتهائها , وليست أغنية تمجد الوطن نرددها بالأعياد ونغلق الطرقات , وليست أهزوجة نغنيها بالأعراس ولا نستمتع بترديدها خوفا من وابل الرصاص , أو وليمة نطهوها للأغنياء تبذيرا في الأفراح و الأطراح ولتتنافس عليها لاحقا القطط على الأقل في مستوعبات القمامة .


    الوطن يحتاج الى المربين فهم من يزرع ثقافة الإنتماء والبناء والعمل والأخلاق , الذين يربون الأبناء على إحترام قواعد المرور عند القيادة وآداب الطريق , وتبجيل معلميهم وعدم إغلاق شارع الحي في مناسباتهم تقديسا لحق الجار , والمحافظة على الحدائق والمرافق العامة محافظتهم على بيوتهم , الوطن لا يحتاج منابر الصراخ والشتم وميادين التناحر والعراك ولا ناشري فيديوهات اللغط و ناشطي تعليقات الفتن والأحقاد و الإشاعات .


    قبل أيام قام مواطن بمراجعة قسم الطوارئ في مستشفى حكومي فوجد أبواب القسم تنقصها الصيانة , فعاد لاحقا وقام بصيانتها بجهد ذاتي لم يقم بتصوير الأبواب ونشرها كي ينال السبق في النقد ولم يذهب لمدير المستشفى ليحاسبه , بل مد يد العون لمؤسسة خدمية بما يملك من إمكانيات متواضعة , المؤسسات التي تملكها الدولة لا تبني وحدها وطنا بل تقويها وتستنهضها أخلاق الشاب الذي يقف لكبار السن في الحافلات , وسلوك الموظف الذي يحترم المواطن ووقته ويبتسم في وجهه ولا ينهره , وإنسانية الطبيب الذي يعالج المريض الفقير مجانا وصدقة الغني التي تعين المحتاج , وتفاني المدرس الذي يعطي درسا بعد دوامه دون مقابل وإخلاص المقاول حين يستعمل موادا بجودة ممتازة لرصف الطرقات , وأمانة التاجر الذي لا يغش ولا يطفف .


    الوطن يحتاج من يقدس العمل ليس من أجل المكانة الإجتماعية , لكن حتى لا يكون عبئا على وطنه و أن لا يقيس أدائه بقيمة الراتب دون إعتبار لفضيلة الإخلاص والأمانة التي كلف بها وحملها راضيا , حتى تحل عليه البركة في الرزق ولا يدخل مال السحت الى جيبه .

    المؤسسات يديرها ويشغلها الشعب فتغدوا إنعكاسا لما نملك من ثقافة مجتمعية وتربية وأخلاق لا يمكن أن تعطينا الجسور والعمارات والأبراج والبرامج والقوانين وحدها الرفعة والتميز , فالقوانين للتنظيم والعقاب فيها يجب ان يكون الشاذ عن الأصل وهو الالتزام , أما عماد المؤسسات الفعالة فهو الإنسان حسن الخلق والسلوك , الساعي لبناء وطنه الذي يحترم دولته ومؤسساتها ويسعى بكل إمكانياته أن يحافظ عليها وعلى سمعتها وهو راسخ الانتماء المدافع عن الهوية الوطنية والرافض لكل ما ينال منها , وحين يسير في شوارعها و أبنائه يشير الى إسهاماته في عمرانها حتى لو بإماطة الأذى عن الطريق .

    الوطن قديم قدم الزمن يخلد من أسهم في الثقافة والفنون والعمران من قادة وأطباء ومهندسين وشعراء وفنانين وأدباء , ولكي ننال نصيبنا من التخليد علينا ان نترك بصمة حضارية فارقة للوطن ونرعاه رعاية الأبناء وأن لا يكون مقياس المواطنة خطابات النقد وجلد الذات دون ان نصلح مؤسساتنا بأخلاق المواطن الذي أصلح أبواب قسم الطوارئ بصمت وبأدوات ليست أكثر تعقيدا من أدواته لنثبت أننا نستحق أن نكون أبناء حضارة قامت على مكارم الأخلاق وسادت بالعدل فمن لديه الدواء لا ينتظر وصفة الطبيب .





    [25-12-2019 01:20 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع