الرئيسية مقالات واراء
في تفاصيل عمليات الترويج لنظام الخدمة المدنية الجديد أشبعتنا الحكومة حديثا عن «مبدأ العدالة». وفي النقاشات التي دارت حول النظام تمسك بمبادئ العدالة والكفاءة، وصولا إلى معالجات تطوي صفحة مليئة بالثغرات أوصلت الجهاز الإداري إلى ما هو عليه الآن.
والمنتظر طبقا لذلك، أن يكون النظام عصريا، يعتمد على أسس النزاهة والكفاءة والمساواة بين أبناء الوطن، بحيث تنتهي المحسوبية التي أسست للكثير من الثغرات في التعيين أولا، وإلى فوارق كبيرة في الرواتب والامتيازات بين موظفي الدولة حتى وإن كانوا متساوين في الواجبات والمهام، والمؤهلات ثانيا.
يطول الشرح حول هذه النقطة، لكنه يتوقف عند صدمة كبرى من صنع سلطات الدولة، وبخاصة السلطتين التشريعية التي طلبت، والتنفيذية التي أعطت، حيث اتفقت إرادتهما على اختراق تلك الضوابط التي كانت عنوانا ومفترضا للنظام الجديد، بما يسمح لمجلس الأمة بشقيه «الأعيان والنواب» أن يكون لهما صلاحيات تعيين الموظفين، دون الرجوع إلى الأسس التي تنظم تلك العملية على مستوى الدولة والتي وردت في نص النظام.
والحكومة بتلك الخطوة تكون قد خالفت أبسط الأسس التي تنادي بها، وجاملت مجلس الأمة ضمن ما يمكن أن يسمى «تبادل المصالح»، على حساب عامة المتعطلين عن العمل.
وللتدليل على حجم الاختراق الذي أجازه النظام، يمكن استذكار ما حدث قبل عدة سنوات، ولأكثر من مرة، حيث تم توظيف مئات الموظفين وفقا لـ«كوتا» لكل واحد من النواب، وأرسلت القوائم إلى الحكومة من أجل تمريرها، وليتبين أن غالبية المشمولين بالتعيين من أقارب النواب بالدرجة الأولى والثانية.
وامتدت الإشكالية إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث تبين فيما بعد أن مجلس الأمة ليس بحاجة إلى تلك التعيينات، وأن المبنى لا يتسع لهم ـ أصلا ـ ما اضطر الحكومة إلى نقل الكثير منهم إلى دوائر ومؤسسات أخرى كونهم من موظفي الدولة، ولأنه لا مصلحة لها في إغضاب أصحاب العلاقة المباشرة في التعيين.
اليوم تحاول الحكومة تكرار نفس الإشكالية، ولكن بإضفاء صبغة قانونية على الإجراء الذي إن سمح به سيتحول إلى رافد جديد من روافد الترهل الإداري، والسطو على حقوق الأردنيين في الوظائف الحكومية وسيؤسس لحالة جديدة من حالات التمييز التي اتسعت دائرة الشكوى منها ومن آثارها الواضحة.
والأسوأ من ذلك ما تطرحه الحكومة كحل في ضوء الرفض الشعبي لحالة التمييز المقترحة، حيث أشار رئيس ديوان الخدمة المدنية إلى توجه بوضع نظام خاص للتعيين في مجلس الأمة، يؤدي إلى نفس النتيجة. فالمقترح الحكومي يتقاطع مع كل ثوابت النزاهة المطلوبة في هذه المرحلة بينما الأصل أن يرفض النواب تمييزهم على حساب عامة الناس خاصة وأنهم مقبلون على انتخابات عامة، وان تمتنع الحكومة عن إفراغ النظام المنتظر من مضامينه الحميدة.