الرئيسية مقالات واراء
يتطلب تآكل الأنا (Ego) أو الضمير وعجزه عن مقاومة الإغراء أو الإغواء جهداً كبيراً وطاقة إضافية لوقف هذا العجز ووضع حد له. وإذا أردت معرفة كيف يكون ذلك، فانظر إلى قوة إرادتك كعضلة، وأنه عندما يجذبنا شيء ما فإننا غريزيا نطلبه، ونحاول امتلاكه. وبمحاولة قمع رغبتنا فيه فإننا نستهلك قليلا من الطاقة لتجنب الإغراء أو الإغواء.
إن كل قرار من قراراتنا لتجنبهما قد يستهلك قوة إرادتنا باستخدامها المرة تلو المرة مع كل قرار، مثلها في ذلك مثل رفعنا لثقل ما المرة تلو المرة مما يستهلك طاقة العضلة.
إن هذا يعني أنه بعد يوم طويل من قول: لا للإغراءات أو الإغواءات المختلفة، قد تتلاشى قدرتنا على المقاومة والصمود، فنخضع في النهاية لها. وبما أننا نتخذ قرارات يومية كثيرة، فإن محاولتنا المتكررة لضبط أنفسنا تتآكل فيفشل ضميرنا في ضبط سلوكنا.
تفيد البحوث التي أجراها آريلي أن فعلا واحدا غير أمين أو غير نزيه نفعله يمكن أن يغير سلوكنا ويغير صورتنا، ويغير الطريقة أو الزاوية التي ننظر إلى الناس من حولنا بها.
خذ مثلا الناس الذين ينجحون في الجامعة بالغش أو بالرشوة أو بالشراء. إنهم يظنون بخداع النفس أنهم أذكى من غيرهم، ناسين أو متناسين أنهم نجحوا بالغش، وأنهم (يدعون) استحقوا النجاح بالمثابرة والاجتهاد والذكاء. إنه إنجازهم، وأن مديح الناس لهم وأداءهم صادقان. عندئذ تصبح الكذبة عندهم علامة إنجاز تذكرهم بإنجازهم الزائف، وتساعدهم في دمج خيالهم في نسيج حياتهم وكأنها ميدالية”. غير أن الكلفة تكون كبيرة عليهم عندما ينكشفون.
ولخداع النفس – للأسف – فوائد. لعل أهمها المحافظة على صورة إيجابية للمرء، فنحن نلّمع أفشالنا ونبالغ في نجاحنا، ونلوم الآخرين والظروف الخارجية إذا لم نستطع إخفاء أفشالنا.
عندما نكون وبقية الناس من حولنا غير أمناء، وغير نزيهين، فإن كلا منا يشك في الآخر. وبذلك نفقد الثقة التي تشكل الغراء الاجتماعي، وتصبح حياتنا بدونها صعبة أو شاقة، وهو ما يعانيه كل منا هذه الأيام حيث الثقة الأفقية والعمودية في المجتمع والدولة مفقودة، لكثرة الغش والكذب والسرقة والفساد بعامة.
ومن الجدير بالذكر أن معرفة أن شيئاً ما أو شخصاً ما يزعجنا أو يغيظنا أو يقرفنا، يجعلنا مستعدين وبسهولة مبررين سلوكنا اللا-أخلاقي نحوه، كعقاب له، أو كتعويض عما ألحقه بنا من إزعاج أو غيظ أو قرف، قائلين لأنفسنا: إننا لا نقوم بأي خطأ في ذلك فنحن على سواء. وقد نتقدم خطوة أخرى إلى الأمام بالقول لأنفسنا: إننا نعيد الكرامة والتوازن إلى العالم. إنه لأمر جيد لنا فنحن نحارب من أجل العدالة.
ومن المثير للاهتمام ذلك الجانب المظلم من الذكاء، فأكثر الناس ذكاء أو إبداعا وابتكارا عندما يفسدون، يمهرون في الالتفاف على القانون والمعايير.
وأخيراً : تذكر أن الغش… أو الفساد ليس فرديا فقط، وإنما هناك ما يسمى بالغش التعاوني كما في لجان مقابلات التعيين لوظيفة، إلاّ إذا كان الناس شاهدين على أعمالها، أو تصرف بعض الأعضاء فيها كمراقبين غير رسميين عليها، فعندئذ تكون اللجنة أكثر أمانة أو نزاهة.
والخلاصة لكل ما مر هكذا: الطفل نبيل “ذو الثماني سنوات يعود من المدرسة إلى البيت حاملاً ملاحظة من المدير إلى والديه أنه سرق قلماً من زميله في الصف. وبمجرد قراءة الأب للملاحظة حتى قفز منتفضا وغاضبا، وأخذ يلقي محاضرة مطولة على طفله في الأخلاق، وكيف أنه مكسوف من هذه الفعلة الشنعاء وأنه مضطر لحرمانه من المصروف لأسبوعين.
وأضاف: انتظر حتى تعود أمك إلى البيت، ويختم توبيخه للطفل: على كل حال يا نبيل، إذا كنت بحاجة إلى قلم لماذا لم تطلبه مني؟ أنت تعرف جيدا أنني أستطيع تزويدك بدزينات من الأقلام من المكتب”.
قد تضحك من هذه النكتة لكن هذه حالة كل واحد منا، فاللا- أمانة مسألة شديدة التعقيد، وهي ملازمة لكل واحد منا، فنحن ندرك أن سرقة الطفل لقلم زميله تستحق العقاب وقد عاقبه أبوه، ولكننا نسرق كثيرا من الأقلام والدفاتر ومواعين الورق والدباسات من مكاتبنا في الوزارة أو الدائرة أو الشركة دون أن نقف لنفكر في ذلك.