الرئيسية مقالات واراء
الإنسان المتهالك ميت الأمل يعذب نفسه يوميا بصراعات داخلية وهمية وذعر كاذب مضلل.. شعوره دائما بأن زمام الأمور منفلت أو سينفلت من يده.. لا يعرف المعنى الحقيقي للأمل والتوكل، فهو ضائع بين أوهام وأضغاث أحلام وكوابيس ونزاعات داخلية بين عقله من جهة ونفسه ووسوسات الشيطان ودعواته من جهة أخرى..
ذلك الإنسان لا يبذل الجهد واستسلم للمصائب والكوارث التي لا تحصل إلا في عقله ولن تدمر إلا قلبه وحياته، وجزّته في سجن مظلم عميق عقيم مؤلم بارد مقفر موحش اسمه الاضطراب والقلق والخوف والحزن.
مفرّط في حق نفسه وعمله ومستقبله فيعيش نادما متوترا مشدود الأعصاب لائما للزمان والمكان والظروف وعائلته وجيرانه والشوارع والطقس والحياة وكل ذرة غبار تواجهه، كأن ما يواجهه لا يواجه غيره، وكأن المصائب والعقبات والصعوبات لم تخلق إلا له، فتراه يمشي عابسا مسود الوجه شارد الذهن عصبي المزاج إن لم يجد من يقاتله تراه يقاتل نفسه فيلومها ويجلدها ويسبها ويوسعها شتما ولعنا وطردا من كل حياة ورمة وأمل.
حياته بحر من فزع وموج من الأحزان يتلوه أمواج خوف وأشجان، يغرق الصالح قبل الطالح ويستبدل الألم بالأمل، لا يملك من حياته إلا الظنون والهواجس السوداء التي تطوف من سماء منهمر بالمعضلات وعيون تفجرت بالمصيبات.. فلا يجد سفينة ولا ركن شديد لينجيه..
خاسر للنفس والمال، همومه سلبية مقيمة، ومشاعره غضب وكراهية للحياة ومشاعر وأحاسيس أليمة، خسارة ووهن ونوازل وزعزعة وانعدام للثقة وفراغ وظلمة كالثقوب السوداء تمتص وتبتلع كل قبس قد يلوح في الأفق أمامها.
حياته ثقوب سوداء اسمها ماذا لو.. ماذا سيحدث.. تخيل أن تدث تلك المصيبة معي، ماذا سأفعل إن غرقت ولم أجد من ينقذني؟ ماذا سيحدث لي إن انقلبت سياراتي ولم يسعفني أحد، من سيعالجني إذا مرضت وانقطع الدواء؟ من سيرشدني إذا ضللت الطريق ولم يكن هنالك من أسأله؟.. لا يتوقعون إلا الأسوء ولا يرون في أعينهم لونا إلا السود بلون أمزجتهم القاتمة.. فحياتهم ثقوب سوداء
أما أصحاب الهمم العالية والبصائر المتفائلة فشعورهم بالطمأنينة والأمان يريح القلوب والعقول ويزيح الهموم والغموم، سعادتهم دائمة لرضاهم بقضاء الله وقره ومعرفته بأن الخير من القضاء والإيمان به، فنحن لا نخاف من القضاء بل نعمل له، اختياراتهم محررة من سجون الخوف والقلق، تراها حلوة خيرة فرحة مسرورة. حولوا الداء دواء.. والبذرة ثمرة.. والغرسة شجرة...