الرئيسية مقالات واراء
أحترم القضاء، وأثق بما يصدر عنه، كسلطة مستقلة تحكم بموجب القانون وتسعى إلى إنصاف جميع الأطراف. ومن هنا فإن كل ما يرد في هذه المقالة لا علاقة له بالقضاء من قريب أو من بعيد.
فالمقصود هنا هو التعسف الذي يمارسه مسؤولون حكوميون ضد كل من يحاول الكشف عن أي خلل يعتقدون أنه يمس مستوى الأداء في الدوائر الرسمية التي يتولون إدارتها.
لن أطيل في المقدمة، وأتحدث مباشرة عن ما أطلق عليه البعض تندرا «صرصور البشير»، حيث قام أحد الأشخاص بتصوير «صرصور» في غرفة العناية المركزة ونشرها على أحد مواقع التواصل الاجتماعي. الأمر الذي أثار حفيظة الإدارة فأصدرت بياناً اتهمت الشاب من خلاله بالإساءة إلى سمعة المستشفى.
وأضيفت بعض التهم للشاب من بينها التأثير على السياحة العلاجية في الأردن. وهي الشماعة التي يحاول بعض المسؤولين التغطية على الكثير من السلبيات التي تحدث والتي يتحمل مسؤوليتها المواطنون.
ولاحقا تقدمت الإدارة بشكوى ضد ذلك الشاب فتم استدعاؤه، واحتجازه تمهيدا لإحالته الى المحكمة.
بالطبع من حق أية جهة رسمية أو خاصة أن تشتكي في حال اعتقدت أن طرفا آخر الحق بها الضرر. لكن المشكلة هنا هي التعسف في استعمال هذا الحق، لمعاقبة من يمارس حقه في النقد، أو في الكشف عن أية سلبيات تمس جودة الأداء. ومن حق أية جهة أن تحمي سمعتها، لكن من خلال تجويد الأداء وضبطه، ومعالجة أية مخالفات بدلا من السكوت عليها.
ما حدث للشاب الذي يقال بأنه كان مرافقا لأحد افراد اسرته في قسم العناية الحثيثة بالمستشفى، وقام بالتصويره والنشر على صفحته، بعد أن نبه عمال النظافة إلى وجوده، يفتح الباب أمام ممارسات لبعض المسؤولين تجرم الكشف عن المخالفات قبل أن تجرم المخالفة نفسها.
فقد اعتبرت إدارة المستشفى أن تصوير «الصرصور» ونشر الحالة تتسبب في التأثير السلبي على السياحة العلاجية. ولم تعتبر أن وجود الصرصور هو الإساءة بعينها. واجتهدت بأن عليها أن تعاقب من كشف عن تلك الصورة بدلا من أن تتخذ من الإجراءات ما يحارب الصراصير المستوطنة في كافة أركان ذلك المستشفى والتي يتحدث عنها رواده. أو أن تعاقب الشركة التي تتولى مسؤولية النظافة.
أما فيما يخص توسيع التهمة واعتبارها تصويرا في منطقة صحية خاصة، فقد كنت سأشارك إدارة المستشفى الرأي فيما لو كان التصوير لأشخاص أو لحالات أو أي شيء يخص المراجعين والمرضى. بينما الذي تم تصويره هو جزئية تكشف عن خلل، أعتقد أن الهدف منه هو الإصلاح، وليس التعريض بأي شخص أو كشف أي من خصوصيات الناس.
ومن هنا فإنني مع من يرى أن التراجع عن الخطأ فضيلة، وأتمنى أن يكون ذلك على مستوى الحكومة ككل، ومن خلال إجراءات تمنع المسؤولين من التعسف في استعمال حقهم في الشكوى.