الرئيسية صوتنا
أحداث اليوم -
عهود محسن - تدرك حكومتنا وبشكل قاطع أن أكثر من نصف البطالة في الأردن هي بطالة هيكلية ترتبط بسوء الموائمة بين التعليم ومخرجاته ومتطلبات سوق العمل، وهو يشير إلى أن التخبط وضعف الإدارة العامة "وفردية اتخاذ القرار" تتسيد مشهد تخطيط وتنفيذ السياسات العامة للدولة.
مشكلتنا متعددة الأقطاب لا يمكن تحميلها لطرف دون الآخر إلا أن الحكومة أو الحكومات المتعاقبة "بالمعنى الأدق" تتحمل المسؤولية الفعلية عن ذلك كجزء مسؤولياتها من خلال إعداد المخطط الشمولي للسياسات في الدولة، والذي من المفترض أن يضم قرارات الدولة المختلفة ويفعلّها ضمن شبكة متكاملة ترصد الحاجات الفعلية للسوق وتضبط القرارات الحكومية في ضوئها وتتولى دراسة النتائج البعدية عقب التطبيق، إلا أن حكوماتنا تركت "الحبل على الغارب" وسلّمت القرار لكل عابر سبيل.
التخبط الحكومي وعشوائية اتخاذ القرارات وغياب المؤسسية في اتخاذها ظهرت بشكل جلي في الآونة الأخيرة، وذلك بالإعلان عن توجه حكومي لإحالة كل من خدم ما يزيد عن 25 عاماً على التقاعد بحجة تجديد دماء الجهاز الحكومي، "متناسيةً" التأثيرات السلبية الكبيرة على الحياة الإقتصادية والإجتماعية لفئة كبيرة من الموظفين، وبالتالي المجتمع، على الرغم من مخالفته نظام الخدمة المدنية وقانون الضمان الإجتماعي.
لم تقف الحكومة عند هذا الحد، بل جاءت بقرار آخر أكثر" كارثية" وذلك "بإعدام طلبات كل من بلغ 48 عاماً من مخزون ديوان الخدمة المدنية" بحجة التنظيم وتوحيد القاعدة العامة التي تحكم سن الترشح للوظائف الحكومية على النحو المعمول به منذ مدة طويلة في الترشيح لوزارة التربية والتعليم، والمحدد بـ (48) عاما، بهدف رفد الجهاز الحكومي بالكفاءات الشابة ورفع سوية أداء الموظف العام، بحسب تصريحات صحفية لرئيس الديوان سامح الناصر.
الناصر حاول "تعليل القرار" بأن معظم هذه الطلبات التى تم استبعادها لأنها مُصنفة بالراكدة أو المشبعة التي لا يحتاجها القطاع العام" مثل مؤهل الدبلوم للاناث في التخصصات التعليمية" كما تشير المعلومات إلى أن حوالي 20 % منهم يعملون حالياً منهم "473 " شخصاً تتراوح رواتبهم مابين " 500 إلى 999 ديناراُ و 196 شخصاً تتجاوز رواتبهم الالف دينار".
توجّه الديوان والناصر إلى أن هذا القرار يسهم في اتاحة الفرصة لمن لا يتوفر له مصدر دخل من أخذ فرصته في التنافس خصوصاً وأن اكثر من نصف المتقدمين الذين تم استبعاد طلباتهم تتراوح اعمارهم بين 51 و 59 عاماً.
لا معيار يمكن القياس عليه لمثل هذا التوجه إلا بأن مشكلات الأردن المتعددة ليست لعدم وجود الكفاءات البشرية ولا ضعف الإمكانيات وقلة الموارد وإنما بسبب "فشل تخطيط وتنفيذ السياسات وعدم قدرة صانعيها على قراءة المشهد بشكل متكامل" ما يفسح المجال للتقييم القبلي والبعدي والمحاسبة على ضوء النتائج والإكتفاء "بتوجيه اللوم" للمواطنين على سوء خياراتهم وأساليب تربيتهم لأولادهم.
مشكلة البطالة مضى عليها سنوات وأرقام المنظرين على ديوان الخدمة المدينة يزداد ويتضاعف عام بعد عام، والحكومات لم تحرك ساكناً، بل إنها أكتفت "بتسويق شعارات كبيرة لمحاربة البطالة" حتى أصبحت "الدرجة الجامعة الأولى لا قيمة لها في معيار التوظيف" وأصبح الخيار الأول عند المتعطلين عن العمل هو "الهجرة بلا عودة إلى دول آخرى.
ما زالت الحكومة "قاصرة البصر" عن مشكلة البطالة الكبيرة والخطيرة في مجتمعنا، بل انها " تصب الزيت على النار" في قراراها المتخبطة ، فعدم وجود وظيفة كريمة يسهم بشكل كبير في انتشار الجريمة في المجتمع وبالتالي تفككه.
التحذير الأول للحكومة كان "بحجيج المتعطلين عن العمل" العام الماضي من كل المحافظات صوب الديوان الملكي، ولا نعرف ما قد يحدث هذا العام اذا بقيت الحكومة "مغشيّة البصر والبصيرة".