الرئيسية كواليس
أحداث اليوم -
محمود الشرعان - لا يمكن اعتبار أزمة فيروس الكورونا محنة قاسية فقط على العالم والأردن بوجه التحديد، إذ أن من ينظر في بواطن الأمور وتفاصيلها، يرى جزءا من نور خفي سطع وسط الأزمة.
دعونا نتفق أن الأزمة التي حلت علينا ليست مصيبة خالصة بل منحتنا أيضا ذاكرة جديدة لنرى النور الكامن في الأعماق، فثمة رسائل عميقة لم يسلط الإعلام عليها الضوء في ظل ازدحام غرف الأخبار بالعواجل والأحداث.
الرسالة الأولى؛ والتي جاءت من "رأس الهرم" هي رسالة الملك عبدالله الثاني، التي وجهها للحكومة، بعد موافقته على تفعيل قانون الدفاع، إذ أكد على أن يكون تطبيق قانون الدفاع والأوامر الصادرة بمقتضاه "في أضيق نطاق ممكن" دون المساس بحقوق الأردنيين السياسية والمدنية"، وحماية "الحريات العامة والحق في التعبير... واحترام الملكيات الخاصة".
الملك وفي ظرف استثنائي غير مسبوق يركز على حماية الحقوق السياسية والمدنية، وحماية الحريات، في ظل تفعيل قانون الدفاع الصلب، وهي رسالة ملكية عابرة لكافة القوانين والسلطات، بأن (حق الأردني وحريته) مصان مهما كان الظرف.
الدرس الملكي اليوم يتضمن بأن الشعب هو الرقم الصعب في حريته وحقوقه، فلا شيء فوق هذه الثوابت الملكية الراسخة منذ زمن طويل.
ولم يضيء الفيروس فقط على المرتكزات الملكية، بل أكد على الثقة الشعبية بالمؤسسة الأعرق (القوات المسلحة الأردنية - الجيش العربي)، ففي هذه اللحظة الزمنية الفارقة التي سيسجلها التاريخ، إذ وصل الجيش للميدان، بدت الابتسامة على محيا الشعب الأردني رغم الظرف الصعب، وبات يحتكم لقراره وقوانينه.
ومع جيشنا، ظهرت الرسالة الثانية التي تتلخص في القاعدة الأردنية الثابتة بأن الأردني يعشق مؤسسته الأمنية الأكبر ويؤمن ويستنجد بها في الوقت الحساس، وظهر ذلك جليا في تفاعل الأردنيين مع صور الجيش في الميدان.
أما الرسالة الثالثة؛ والتي تراهن عليها الدولة وأجهزتها المختلفة فهي (وعي الأردنيون وتماسكهم)، وهو ما ظهر واضحا مع وجود مخالفات لا يمكن القبول بها، لكن ثمة وعي كبير ظهر في الممارسات الصحية السليمة والتي انتشرت بشكل كبير، الأمر الذي لا ينكره أحد.
غير أن تماسك الشعب في الحملات والمبادرات الكثيرة على امتداد خارطة المملكة، كشفت لنا حجم الوعي الذي يتمتع به أبناء الوطن، إضافة إلى أن الحملات الشبابية، والتي انتشرت كالنار في الهشيم على أرض الواقع وعبر منصات التواصل الإجتماعي، ظاهرة المعدن الأصيل لهذا الشعب.
ومن جمل ذكره فأن الأردني قدم لغاية فجر الأربعاء أكثر من مليون دينار تبرعات لوزارة الصحة بعد ساعات فقط على ظهور الفكرة، فنصفها جاء من شركات المقاولات، والنصف الأخر من نقابة المعلمين، والباقي من جهات أخرى، وهذا الدعم لم يحصل في أي بلدان العالم.
بالمحصلة، يقال أن الداء يكشف السر، والفيروس كشف لنا السر الأردني، المعروف من قبل لكنه ذكرنا بهذه الثوابت مجددا، ومع استمرار الأزمة - لا قدر الله - ستكشف لنا الرسائل أخرى أكثر عمقا وقوة.