الرئيسية مقالات واراء
قال لي أحدهم نحن أهل الأردن لا تصيبنا الفيروسات لآن مناعتنا قوية ..من هول ما تلقت أجسامنا ؟لم أدخل معه بنقاش وقتها لأنني بطبعي أهتم بإزالة الأسباب من الفكرة حتى لا تؤدي الى نتائج تسبب لنا الخذلان لأنفسنا قبل المجتمع والدولة .
ما يهمني هنا في مقالتي هو كيف أحكمت فكرة ما بعد كورونا وآثارها ,حيث يصبح للفيروسات أثر حقيقي حتى لو كانت مناعة البعض قوية , لأن هول ما هو قادم ما بعد هذا الوباء بالضرورة مختلف عما كان عليه قبله بمعادلة بسيطة هي إستقراء تاريخ الأوبئة، أو نظرية الصدمة التي سنواجهها سواء كنا الضحايا أو الأدوات أو الإحتياجات لهذا التغيير. بل نحن أمام أقوى فكرة على وجه الأرض .فكرة أن تقبل بحتميات جديدة لا سبيل لدفعها وإلا الثمن هو زوالك من البشرية .
في أخرمقالة لهنري كيسنجر إستوقفتني جملة واحدة، تقول: "إن الوباء أفرز لنا مفارقة تاريخية،وهي إحياء المدينة المحاطة بالأسوار (ويقصد بها هنا الدولة ذات الحدود المغلقة) في زمن يتوقف على التجارة العالمية وتنقل الشعوب". ما يعني دولة متحيزة داخل حدود جغرافية معينة مع أسواق كونية إفتراضية رقمية .
و يخيل إلينا لأول وهلة أن الأمر بسيط، نعتقد أننا نسير بإتجاه نظام دولي جديد أساسه المحورين: الأمريكي الديمقراطي والصيني اللاديمقراطي؛ والواقع أنه على بساطته الظاهرة، فإن الأمرأعقد بكثير مما يبدو. وهو فقدان الوجهة ,في سبيل الهيمنة وكأننا نتجه نحو حرب بيننا دول وشعوب , وليس دول ووباء .
في الأردن نشهد تطمينات مختلفة رغم تصريحات منفلتة عما هو أعمق . فلن تصبح للحزم الاقتصادية فائدة في الموازين المالية المقبلة . وليس في وسع المساعدات الداخلية ردم الفجوات المالية المتزايدة . أما الاقتراض الدولي، بعد سنوات من الدين السيادي المتعاظم، فالعرض القائم لقاء كلفة أعلى بكثير و مخاطرستكون كارثية على الطبقتين الفقيرة والعاملة .
الفيروس كشف ضعف مناعة منظومات عدة بداية من الضمان وشبكات الأمان والإحصائيات الخاصة بالطبقات المنهكة المغيبة أصلاً. وخلل المعونات الضعيفة أو المعدومة أو الإنتقائية وخلل عدم التأمين ضد البطالة، وخلل وجود شرائح سكانية كبيرة منخرطة في أعمال كفافية يومية غير رسمية لإعالة عائلاتها وعاجزة عن التحمل أو إنقطاع سبل عيشها اليومية لفترة مطولة بدات أصواتها الخافتة تعلو من الجوع . ولن تكفيها إعانات ب25 دينارلا تسد رمق عيشها وأبسط الاحتياجات الأساسية لها . وخلل المنظومة العمالية والقطاع الخاص والتغول على النسيج المجتمعي , ويبدو أن القطاع الخاص سيدخل في دوامة المقاربة بين الإستنزاف والإستمرارية الوجودية .
في الأردن حوالي 60 % من المواطنين يعيشون على دخل متوسط أوضعيف و المناعة لا تميز بين الأشخاص على أساس ثروتهم. و ستتضرر شرائح المجتمع الأكثر فقراً - التي تشكّل غالبيّة المواطنين - بشكل غير متساو. فهل هناك خطّة فعالة حول كيفية تقليل الضررالإقتصادي لهم أو معالجة الإنقسام الذي سيحصل في المجتمع.
وخلل إنفاق سيصل بموازنة الحكومة لتعاني من عجز كبير إضافي للعجز ما قبل الأزمة، والذي فاق المليار دينار، وبالتالي تفاقم مستويات العجز بين 5ر1 – 8ر1 مليار نهاية 2020.
إن التعطيل الإقتصادي كشف التعطيل الحكومي , ربما صعد نجم بعض صانعو السياسة بالفعل لكن بالمقابل تم خلط الأوراق للبقية . وتم تكوين فقاعات جشع رؤوس الأموال والهوامير وهي ظاهرة بشعة يصعب على الشعب تجاوزها .
إن الإقتصاد العالمى دخل مرحلة الركود، طبقا لإعلان صندوق النقد بأن النمو سيتحول إلى -1.5% ، ومن المتوقع أن يخسر سوق العمل 25 مليون عامل حول العالم، وسيقع 8.3 ملايين شخص إضافي في براثن الفقر بالمنطقة العربية ليصل إلى 101 مليون عربي , والأرقام مرشحة للتزايد وإقتصاد الأردن من ضمن هذه المرحلة.
طالب الملك عبد الله الثاني بتفعيل الإنتاج المحلي والمشكلة أن الدول العربية قليل منها من يمكن أن تحقق الإكتفاء الذاتي، وهو ما يتطلب تنسيقا عالميا حتى لا تحدث أزمة كبيرة جدا. إذ ستتحمل بلدان العالم الثالث تبعات إنسداد مسالك التموين والإرتفاع الكبيرلأسعار السلع الأساسية ونقصها في السوق العالمية، وتدهور أسعار الصادرات من المواد الأولية لضعف الطلب العالمي.
كما أن الغموض حول توفر الغذاء يمكن أن يتسبب بموجة قيود على التصدير مع عرقلة قطاع الزراعة ، وحصول تأخرعلى الحدود لحاويات البضائع، وما نتج من زيادة التبذير الغذائي عالميا .وربما على الأردن الإستثمار بالقطاع الزراعي فهو الملاذ الأمن في الشهورالمقبلة .حيث ستشهد معظم الإقتصادات إنكماشًا غير مسبوق في الربع الثاني من العام الحالي بحوالي 50 بالمائة على أساس فصلي.
وسوف يُذكرعام 2020 في كتب التاريخ بإعتباره العام الذي شهد أسوأ ركود على الإطلاق، حيث يشهد تقلص معظم الإقتصادات بمعدلات من رقمين للعام ككل.وسوف يكون التعافي في عام 2021 ضعيفاً نسبيا وسيستغرق حتى 2023 قبل أن تعود معظم الإقتصادات إلى مستويات ما قبل الأزمة.
وبما أننا نتكلم بلغة الأرقام هنا فإن الغالبية العظمى من الأردنيين حوالي 80% يعتقدون ان القطاع الخاص (المؤسسات والشركات والمحلات التجارية) تأثر بشكل سلبي كبير نتيجة الحظر. ويعتقد (74٪) من الأردنيين أن أزمة كورونا سوف تؤثر سلبيا وبشكل كبيرعلى الإقتصاد الأردني.
وجديرهنا أن يحافظ الدينارعلى وجوده إذ ستجد المصارف حول العالم نفسها عاجزة عن توفيرالسيولة ، مما سيتسبب بقرارات كارثية على التضخم حين يتم اللجوء لطباعة العملة دون مقابلات إنتاجية. ولن يكون العالم بخيرحين تهتز ثقة المودعين بالمصارف. وأن تقوم البنوك بعملية الإقراض و دعم معظم القطاعات الإقتصادية سواء أكانت تجارية، صناعية أم خدمية , لأن البنوك لن تتحمل إرتفاع كلفة الإقتراض عليها وإنخفاض نسبة الفائدة , كذلك غالبية الشعب مقترض مما سيزيد من نسب التعثر في هذا الظرف القاهر وعدم القدرة على السداد . فهل سيستطيع البنك المركزي شراء قروض المستهلكين من البنوك مثل قروض السيارات والبطاقات الإئتمانية وقروض الطلاب وقروض الرهن العقاري وغيرها.
.وربما هنا نتساءل عن أهمية مدى قدرة ضخ سيولة نقدية في السوق.أو ضخ السيولة الإضافية في السوق النقدي من خلال شراء الأوراق الحكومية.؟
يبقى الحديث سواء نتفق أم لا عن أحكام عرفية لمدة سنتين في حال ثبت أن التدابير المتخذة بموجب قانون الدفاع لم تعد كافية ، وعن تأمين التمويل الحكومي فهل ستقوم الحكومة بتأميم بعض القطاعات المهمة آو تقوم ببيع سندات طويلة الآجل أم نقع في فخ ديون لا نهاية لها .أخر القول ، علينا ان نتعلم من الدروس وإلا فسوف تجرفنا النكبات. ونحن بإنتظار نحو 90 يوما بعد الأزمة أو 360 يوم أو دوامة غير مفهومة يحتاج المشهد خلالها لأكثر من كل ذلك بكثير.