الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    هندسة اللوجستيات - محمد مرشد حماد

    بدأ الإنسان حياته على الأرض باحثاً عن ما يضمن إستمرار حياته وتأمين متطلباتها ومكنته الخبرات المتراكمة من البقاء والتأقلم مع قوى الطبيعة حتى إنه إمتلك من الأدوات والموارد ما يكفل حماية حياته وموارده و نجح تدريجياً في تنميتها .

    تطور الإقتصاد البشري معتمداً في البداية على جني المحاصيل الزراعية وتربية الحيوانات وصولاً الى صناعة الطائرات ومكوك الفضاء , هذا التطور ما كان ليتم لولا وجود سلسلة لوجستية تطورت وتشعبت تزامناً مع تعدد متطلبات البشر وتضخم أعدادهم , ورغم معرفة علماء الإقتصاد أهمية السلسلة اللوجستية لضبط إيقاع التفاعل بين الانسان وبيئته إلا أنهم إعتبروها ثانوية وغالباً ما تصدمهم النتائج الكارثية المترتبة على فشل المنظومة اللوجستية .

    نمو الإقتصاد هو البوصلة التي توجه أي منظومة مهما كان حجمها وحتى يحقق النمو معدلات إيجابية لابد من وجود سلسلة لوجستية متكاملة تخدم مختلف النشاطات الإقتصادية وتُسهل دمجها مع مكملاتها فتنصهر وحدات الإنتاج والخدمات في بوتقة واحدة لتحقيق التناغم والترابط بينهما .

    ولبناء إقتصاد مستقل ومتين يجب مراجعة المنظومة اللوجستية ورسم خارطة ترابطها ومدى جهوزيتها وتعديل نظم الإدارة الكلاسيكية التي إعتبرت الإستثمار في مخازن المواد الخام أو المنتج النهائي عيباً وتبذيراً وجعلت من سرعة الشحن وتنافس الموردون دليلاً على صحة نظريتهم .

    الدول التي تمتلك الأيدي العاملة المدربة من الممكن أن تبني منظومات إنتاجية مترابطة ولكن عليها التضحية بالعولمة والسوق الحر وبعض الضرائب حتى تصل للأمن الغذائي والدفاعي والدوائي .

    عند إستيراد منتج من منشئه يتضمن سعره النقل والتخزين والتغليف سواء لمدخلات الإنتاج أو المنتج النهائي والذي يعني دعم المستورد للسلسلة اللوجستية للبلد المنتج التي تنمو وتتشعب على حساب المستوردين والأهم من ذلك أنهم يدفعون تكلفة العقول والتعليم و البحث للدول المنتجة .

    فلو تمت دراسة مساهمة بعض الصناعات في بناء السلسلة اللوجستية لتكونت صورة واضحة تُمّكن صاحب القرار من مراجعة الضرائب المفروضة عليها والسعي لحمايتها كي ينتعش قطاع الخدمات ويتشعب ويقلل من البطالة التي تجبر الحكومات على توسيع مظلة المساعدات الإجتماعية .

    يشهد العالم صراعاً مع جائحة لا سابق لها في التاريخ الحديث والتي سببت كسر السلسلة اللوجستية للعديد من النشاطات الدولية وعلى رأسها تجارة النفط الذي شكل وجه الحضارة وغيّر مفاهيمها

    الإقتصادية ؛ فصراع الدول المنتجة على سوق النفط ترافق مع إنخفاض الطلب فإمتلأت المخازن التقليدية وهامت ناقلات النفط بحثاً عن المشترين.

    حين تُحيد تكلفة الطاقة لبعض المنتجات سيبقى تأثير العمالة المدربة وتوفر المواد الأولية , فيصبح التنافس بين المنتجين على الأسواق الإستهلاكية التي لا تمتلك منظومة خدماتية جاهزة لملأ الفراغ الذي سيتركه المنتجون الذين إعتمدوا على أسعار طاقة وخدمات رخيصة , قد لا يكون هذا التغير طويل الأمد لكنه كفيلاً لإظهار الفرق بين الإستراتجيات التقليدية والإستراتجيات المرنة التي ستتحول لحماية بعض المنظومات الإنتاجية لديها وإلغاء المدارس التقليدية التي جعلت من الصناعة المحلية قرباناً للعولمة والسوق الحر مسببة نزفاً للعملة الصعبة وتضخم المعونات الحكومية لفئات مجتمعية قادرة على تدوير عجلة الإنتاج ورفد الإقتصاد .

    إنسان ما قبل التاريخ بدأ بمحاصيل الحقول وحيوانات المزرعة ولم يصنع مكوك الفضاء ويسكن ناطحات السحاب أولاً , وما كان ليفعل لو حصل على لحوم مستوردة وخضروات معلبة من ما وراء البحار .





    [27-04-2020 03:26 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع