الرئيسية مقالات واراء
كتب: سلامة الدرعاوي - قدمت مجموعة من مراكز الدراسات أوراقاً علميّة واقعية عن أزمة الكورونا وتداعياتها على الاقتصاد الوطنيّ، مثل ما قدمه كُلّ من المنتدى الاقتصاديّ الأردني بالتعاون مع مجلس النوّاب ومنتدى السياسات الإستراتيجيّة والمجلس الاقتصاديّ والاجتماعيّ، حتى بعض الأحزاب السياسيّة شاركت في هذا المجهود مثل الدراسة التي أعدها حزب جبهة العمل الإسلامي، كُلّها دراسات خلصت بتقديم توصيات للحكومة التي أسست مؤخرا مجلسا استشاريّا للتعاطي مع هذه الأزمة والخروج منها بأقل الخسائر.
الحكومة مطالبة اليوم وهي أمام هذا الكم النوعيّ من الدراسات أن تأخذ ما احتوته من توصيات في خططها وإجراءاتها المقبلة، والتي تتطلب منها إعداد خطة اقتصاديّة وطنيّة تكون خلاصة أكبر قدر من التشاركية مع القطاع الخاص ومراكز الدراسات للوصول إلى خطة تساعد الاقتصاد الأردنيّ في العودة إلى المسار الآمن في المديين المتوسط والبعيد.
هذا الأمر متطلب سريع يجب أن تخرج به الحكومة في أقرب فرصة، لأنها لا تمتلك ترف الوقت في ظل تنامي التحديات الداخليّة والخارجيّة التي تعصف بالاقتصاد الوطنيّ، إذ تشير إحدى الدراسات الدوليّة إلى أنه- أي الاقتصاد الأردني- سيدخل أسوأ مرحلة ركود اقتصادي منذ أزمة الدينار سنة 1989.
مصادر التدفقات النقديّة الخارجيّة معرضة للتراجع على ضوء الهبوط الحاد في عجلة الاقتصاد الإقليميّ والدوليّ، فهناك ما يقارب الـ860 ألف مغترب في الخارج، غالبيتهم في دول الخليج العربيّ، وهؤلاء يوردون سنويّاً لاحتياطات المملكة من العملات الصعبة ما يزيد على 3.5 مليار دولار هي محصلة تحويلاتهم السنويّة، وواضح أن الأوضاع الاقتصاديّة في دول الخليج ليست على ما يرام خاصة انهيار أسعار النفط عالميّا، ومن المرجح أن تدخل بعض هذه الدول في موجة تراجع اقتصاديّ مخيف سيتم تغطيته من أرصدتهم في الصناديق السياديّة التي يملكونها، في حين أن قطاعات داخليّة ستتراجع هي الأخرى مما قد يجعل تسريح العديد من العمالة الوافدة لديهم فرصة لإعادة ترتيب نفقاتهم التشغيليّة على مختلف المستويات، ما يرجح بعودة الكثير من الأردنيين إلى وطنهم.
الدخل السياحيّ الذي طالما تغنينا بنموه في العامين الأخيرين والذي تجاوز الملياري دولار مرجح بقوة أن يصاب بنكسة كبيرة خاصة بعد توقف شبه كامل لحركة الطيران وجمود الأنشطة السياحيّة والتنقلات للأفراد وتوقف المطارات عن العمل وما يصاحب ذلك من تعطل أنشطة القطاعات السياحيّة المختلفة من شركات ومكتب سياحيّة وفنادق ومطاعم ونقل مرتبطة أساساً بحركة القطاع السياحيّ.
التدفقات الاستثماريّة الأجنبيّة هي الأخرى ستصاب بالجمود النسبيّ في المدى القريب وبالتراجع على المدى المتوسط، وهذا سيشكل ضرباً للجهود المبذولة في إعادة رفع خريطة الأردن الاستثماريّة في المنطقة والإقليم، وهي حالة طبيعية لمخرجات تداعيات كورونا على الاقتصاد الإقليميّ والعالميّ.
التحديات الثلاثة السابقة ستلقي بظلال قاتمة على مصادر الدخل الخارجيّ للمملكة، وهو ما يتطلب من معنيين تعويض ذلك بإجراءات تساهم بتقليص مخاطر تراجع القطاع السابقة من خلال تعزيز الصادرات الوطنيّة التي تمتلك اليوم فرصة كبيرة لاختراق أسواق غير تقليديّة، وتثبيت حضورها السلعيّ في أسواق كبيرة تتطلع اليوم بشغف إلى المنتج الصناعيّ الأردنيّ الذي أثبتت الأزمة الأخيرة حضوره الاقتصاديّ المميز، من خلال جودته العالية وتنافسيته في أصعب الأسواق، فالمطلوب اليوم هو التركيز على الصادرات الوطنيّة السلعيّة ودعمها ببرامج مختلفة وتوفير قاعدة بيانات تمكّن المصدرين من توظيفها بالشكل الصحيح الذي يعود بالنفع على الاقتصاد الوطنيّ.