الرئيسية مقالات واراء
مجددا، وجد طلبة الجامعات أنفسهم عالقين بين قرارات متضاربة لمجلس التعليم العالي، لا تأخذ التحديات الواقعية الكثيرة بعين الاعتبار وتتعامل مع الطلبة جميعهم على أنهم مقيمون في الأحياء المرفهة من المدن الكبيرة، حيث اشتراكات الانترنت القوية وأجهزة اللابتوب الحديثة تعتبر أمورا اساسية متواجدة بديهيا في كل بيت.
قرار المجلس المفاجئ بعقد الامتحانات النهائية إلكترونيا باستثناء طلبة السنوات السريرية لتخصي الطب البشري وطب الأسنان، صدم الطلبة والوسط الأكاديمي، لتناقضه مع قرار المجلس السابق الصادر منتصف نيسان الماضي والذي نص على أن الامتحانات ستعقد في الحرم الجامعي، وبأن مواعيد الامتحانات النهائية سيتم الإعلان عنها خلال فترة لا تقل عن أسبوع من تاريخ عودة التدريس داخل الحرم الجامعي، على أن يتم اتباع آلية ما تتيح التباعد المناسب بين الطلبة في القاعات.
لم يفهم أبدا هذا التراجع من قبل المجلس عن قراره خصوصا أنه جاء بالتزامن مع البدء بعودة الحياة تدريجيا إلى طبيعتها في مختلف القطاعات والسماح لوسائل النقل الخاصة والعامة بالعمل، ولم يقدم المجلس أي تفسير للعودة عن القرار، ولم يوضح أيضا آليات مقترحة لضبط جانب النزاهة في الإجابة عن الامتحانات الإلكترونية.
هذا التأرجح في القرارات تسبب بإرباك كبير للطلبة ولكوارد الهيئات التدريسية، ويمكن إدراك حجم الارباك والضجر الموضوعي في جانب كبير منه من خلال تتبع تعليقات الطلبة على مواقع التواصل الاجتماعي حول الموضوع.
من أبرز الأمور التي تؤرق الطلبة، عدم توفر اشتراكات الانترنت القوية التي تخدم عملية الاتصال الفعال بالشبكة دون انقطاع جزئي أو كلي اثناء انعقاد الامتحانات، وكثير من الملاحظات أشارت إلى تجارب سيئة جدا للطلبة اثناء تأديتهم لامتحانات قصيرة أدى تقطع اتصالهم بالشبكة خلالها إلى عدم تخزين جميع اجاباتهم التي أدخلوها قبل الانقطاع وبالتالي فقدانهم للعلامات.
الكثير من الطلبة أشاروا إلى أن الاتصال يتطلب أجهزة لابتوب لكي يكون فعالا وأن الاتصال من خلال الهواتف الذكية لا يلبي الغرض في جزئيات معينة، وهذا ايضا يشكل عائقا أمام طلبة كثر بالكاد تتوفر لديهم هواتف ذكية وليس بمقدورهم توفير أجهزة لابتوب.
كل هذه الملاحظات ونحن لم نتطرق بعد لأبناء المناطق النائية والأقل رعاية والتي قد تكون مناطق سكنهم بأكملها لا تغطيها شبكات الإنترنت، أو ربما لا تتوفر لديهم أجهزة ذكية مناسبة للاتصال الفعال المطلوب لهذا الغرض، إضافة إلى ملاحظات تفصيلية أخرى عديدة تطرق اليها الطلبة وبشكل متكرر.
ليس مفهوما هذا التغاضي من قبل متخذي القرار عن الواقع الفعلي الذي يعيشه الناس وكأن المهم هو اصدار القرارات للخروج من مأزق اللحظة بغض النظر عما سيلحق هذه القرارات من تبعات وإشكاليات، كما أن التفرد في عملية اتخاذ القرارات دون الإصغاء إلى ملاحظات أصحاب الشأن أو مقترحات ذوي الخبرة أو الاختصاص سيجرنا إلى مشكلات كبيرة ربما أكبر بكثير مما يدور الآن من توقعات ضمن دائرة احتجاج الطلبة لأن التجربة لم تكتمل بعد.
قدمت الحملة الوطنية لحقوق الطلبة عددا من المقترحات العملية من ضمنها تمديد الفصل الثاني لمدة شهر وإجراء تأجيل في بدايات الفصل الصيفي والأول وهو مقترح ربما يتسق مع ما أشرت إليه في مقالي السابق حول ضرورة التنسيق بين وزارة التربية والتعليم والتعلي العالي بتأجيل امتحانات التوجيهي وتأجيل مواعيد القبول الموحد للجامعات وبداية الفصل الدراسي الأول.
كما ورد أيضا مقترح جدير بالدراسة بأن يتم التنسيق والتعاون بين الجامعات بفتح قاعات الامتحانات الالكترونية لكل الطلبة وربط مختبراتها ببعضها ليتمكن من يرغب من الطلبة من تقديم الامتحان في الجامعة الأقرب لسكنه.
وهناك بالتأكيد مقترحات أخرى ربما تكون أكثر قربا للواقع والتطبيق ولكن المشكلة هي بعد متخذ القرار عن هذا الواقع، الذي حان الوقت أن نكون أكثر التفاتا إليه.