الرئيسية مقالات واراء
ترتب على العمل بقانون الدفاع الأردني أن أعطي رئيس الوزراء الحق في إصدار أوامر دفاع خطية توقف العمل بالقوانين العادية، وذلك سندا لأحكام المادة (124) من الدستور. وقد صدر حتى تاريخه أحد عشر أمرا اختلفت فيما بينها من حيث مضامينها والموضوعات التي نظمتها. ويبقى التساؤل الأبرز حول نطاق الرقابة القضائية التي يمكن أن تُفرض على أوامر الدفاع التي صدرت، حيث أجاز قانون الدفاع في هذا الإطار لأي شخص جرى توقيفه أو القبض عليه أو وضع اليد على ماله، ولأي صاحب مصلحة بالنيابة عن الشخص المذكور، أن يطعن بأمر الدفاع الصادر إلى القضاء الإداري.
إن المعيار الشكلي الذي تبناه قانون الدفاع والمتمثل باعتبار أمر الدفاع قرارا إداريا يخضع لرقابة المحكمة الإدارية - على اعتبار أنه قد صدر عن جهة إدارية - لا يتوافق مع طبيعة أوامر الدفاع التي صدرت وما جاء فيها من تشريع لأحكام قانونية جديدة. فهناك أوامر دفاع صدرت متضمنة قواعد قانونية عامة ومجردة تطبق على الجميع على قدم المساواة ومقرونة بجزاء في حال مخالفتها، وهذا ما يتعارض مع طبيعة الإدارية لأوامر الدفاع. فأمر الدفاع رقم (8) - الذي عطّل العمل بالمادة (22/ب) من قانون الصحة العامة - تضمن مجموعة من الأفعال الجرمية التي قد يرتبكها الأشخاص المصابون بفيروس كورونا والمخالطون لهم، وفرض عقوبات جزائية عليهم قد تصل إلى الحبس مدة ثلاث سنوات. وكذلك الحال بالنسبة لأمر الدفاع رقم (11) الذي اعتبر عدم التزام المواطنين بالتدابيرالاحترازية لمنع انتشار الفيروس جريمة جزائية، وفرض عقوبات مالية على المخالفين لها، مع تقرير عقوبة الإغلاق بحق المنشآت المخالفة لأمر الدفاع.
إن المادة (124) من الدستور الأردني قد أجازت لأمر الدفاع الخطي أن يوقف العمل بالقوانين العادية. بالتالي، يكون المشرع الدستوري قد أعلى من مرتبة أمر الدفاع لصالح اعتباره عملا تشريعيا استنادا للمعيار الموضوعي في تمييز العمل التشريعي عن الإداري، وذلك لغايات تعطيل القوانين العادية. فالقانون لا يُعطَّل إلا بقانون من ذات الدرجة.
من هنا، فإن الطبيعة التشريعية لأوامر الدفاع والتي تتضمن سن قواعد قانونية جديدة يقتضي معه التفكير في اخضاعها لمبدأ الرقابة الدستورية، وذلك للتحقق من عدم مخالفتها لنصوص الدستور. وما يعزز من الرأي السابق أن أوامر الدفاع التي صدرت بما تضمنته من نصوص تشريعية سيتم تطبيقها من النيابة العامة والمحاكم الجزائية، وذلك بصدد ملاحقة الأشخاص المخالفين لها. بالتالي، فإنها قد تكون عرضة لتقديم الدفع بعدم دستوريتها، وذلك أسوة بالقواعد التشريعية الأخرى في القانون والنظام.
إن النصوص القانونية تحدد اختصاص المحكمة الدستورية بالرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة، إلا أن الاعتراف لأمر الدفاع بالصفة التشريعية يجعل من الواجب التوسع في مفهوم القانون لغايات الرقابة الدستورية لتشمل أوامر الدفاع التي تصدر عن رئيس الوزراء، وذلك ضمن إطار صلاحيته التشريعية المقررة له بموجب الدستور.
* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية