الرئيسية مقالات واراء
الدول على اختلاف أحجامها وقدراتها ومكانتها، تواجه اختبارا عسيرا بفعل الكارثة الاقتصادية والاجتماعية التي تسببت فيها الجائحة. ولا تتوفر حتى الآن وصفة عالمية لمعالجة تلك الكوارث والتغلب عليها.
وبينما نحن في قلب الأزمة العالمية الفريدة تحل ذكرى استقلال المملكة الأردنية الهاشمية، لتذكرنا بـ74 سنة مضت من عمر الأردن كدولة مستقلة ذات سيادة، وقرب حول 100 عام على تأسيس الكيان والوطني الأردني.
الإيمان بالدولة الأردنية، دائما ما بلغ ذروته في المنعطفات التاريخية الصعبة والمحطات الاستثنائية الفارقة. اليوم نعيش واحدة من هذه المحطات، حيث تتجلى الثقة بمكانة الدولة في حياتنا، وقدرتنا على تجاوز المحنة.
لكن ذلك النجاح لا يتحقق بالعواطف والمشاعر الوطنية على أهميتها، بل في الاعتراف بالحقائق والمصاعب التي نمر فيها، ودون ذلك سنخفق في الاختبار.
المرحلة المقبلة صعبة وقاسية وتنطوي على أكلاف اقتصادية واجتماعية ثقيلة. اقتصادنا سيعاني فوق معاناته السابقة من المديونية والعجز والبطالة والركود. قطاعات معينة ستشهد انهيارات محتملة، وأخرى ستعاني الأمرين كي تصمد. هذا هو الحال في عموم الدول، ولن نكون استثناء.
اقتصاديات العالم كلها ستدخل غرف العناية المشددة، فرص الحياة والموت ستحددها مهارة الأطباء والجراحين والطواقم الطبية. هنا نلمس الفرق في كفاءة القيادات السياسية والاقتصادية.
المرحلة المقبلة لا تحتمل قيادات رمادية،مترددة وخجولة، إنما رجال أكفياء يملكون الجسارة والشجاعة على اتخاذ القرار دون أن ترتجف أيديهم.
العالم على ما يواجه من مشاكل لن ينسانا، فقد بنى الملك عبدالله الثاني لبلده رصيدا من الصداقات والتحالفات إذا ما أحسن صناع القرار استغلاله لربحنا الكثير.
مصيبتنا في العجز المتراكم عند النخب السياسية، وافتقارها للقدرات القيادية وعجزها عن التفريق بين المصالح والمسؤوليات.
كيف نتغلب على هذه المعضلة، ونجعل من الأزمة الراهنة نقطة تحول على طريق مشروع طموح لإعادة تشكيل النخب الأردنية وفق قواعد جديدة؟
الأزمة تمنحنا فرصة لا تعوض، والانتخابات النيابية محطة لا ينبغي تفويتها، وتجربتنا في مواجهة كورونا مكنتنا من اختبار قدرات قطاعات واسعة وشخصيات كثيرة في مختلف المواقع الرسمية والأهلية. وتلك المعطيات بمجموعها تشكل مختبرا لإنتاج القيادات الجديدة.
ولحظة الاستقلال شاهدة على مفترق طرق تعيشه القضية الفلسطينية، التي تمثل هما وطنيا أردنيا بامتياز. الحركة الصهيونية تستعيد سرديتها التاريخية وتحاول قدر استطاعتها سرقة اللحظة السانحة، لتضع يدها على كامل التراب الفلسطيني، وحسم الصراع بقانون الأمر الواقع.
الوقت لم يكن مناسب أبدا لهذا الصدام، فعجزنا العربي ضاعفته أزمة كورونا، وثمة مستوى غير مسبوق من الانتهازية العربية يتبدى يوميا في السؤال عما يمكن أن يفعله الأردن في مواجهة قرار الضم، وكأن العرب تلاشت ولم يبق غير الأردن والأردنيين ليواجهوا أمريكا وإسرائيل، وينتصروا عليهما!
لن نجامل أو نتجمل؛ أيامنا القادمة صعبة وتاريخية، لكن من قال إن القرن الذي انطوى من عمر الدولة الأردنية كان ورديا. كلها عقود عجاف تخللتها سنوات عصيبة، عبرناها وظلت الدولة، مملكة أردنية هاشمية لقرن جديد إن شاء الله.