الرئيسية مقالات واراء
لم تتوقف الاتهامات الشعبية للحكومات الأردنية بالتساهل مع ظاهرة التهرب الضريبي مقابل التطاول المستمر على جيوب صغار المكلفين والموظفين، والتوسع في تطبيق ضريبة المبيعات ورفع نسبتها على الجميع دون تمييز.
ولم تكن هذه الاتهامات قصفا شعبويا بلا معنى، بل عين الحقيقة. الضرائب غير المباشرة ممثلة بالمبيعات، أرهقت كاهل المواطنين والمستثمرين، ونالت من قدرتهم على تحمل أكلاف المعيشة وفرضت هيكلا ضريبيا مشوها وغير عادل.
عندما تم السير في تعديلات قانون الضريبة قبل عامين وأزيد، طالب جميعنا الحكومات والبرلمان بملاحقة التهرب الضريبي والجمركي وتشديد العقوبات على المتهربين عوضا عن زيادة الضرائب على المكلفين من متوسطي الحال وصغار المنتجين.
القانون الجديد زاد الضريبة على بعض الشرائح، وقلص الإعفاءات، لكنه في نفس الوقت شدد على موضوع التهرب الضريبي.
من الناحية السياسية باتت مكافحة التهرب الضريبي اختبارا لمدى مصداقية مؤسسات الدولة في فرض سيادة القانون، وتحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية، إضافة لكونها واحدا من أهم الحلول لزيادة الإيرادات العامة للخزينة، وحماية حقها في تحصيل مالها من حقوق أصيلة ينص عليها القانون.
وفي ذات الوقت، المدخل الموضوعي والقانوني، لخطة الإصلاح الضريبي التي تهدف إلى الاعتماد على ضريبة الدخل بالتزامن مع خفض متدرج لضريبة المبيعات.
قدر خبراء وساسة وأصحاب قرار حجم التهرب الضريبي والجمركي في الأردن بمئات الملايين. وفي الأشهر الماضية، عمدت السلطات الرسمية لتشديد قبضتها على المنافذ الحدودية لضبط التهرب الجمركي، وفرض عقوبات مشددة. وكان تهريب الدخان أحد أكبر التحديات التي ما تزال ماثلة رغم الجهود المبذولة للسيطرة عليه.
بعد إقرار قانون الضريبة الجديد، كان معلوما للجميع أن مؤسسات الدولة ستأخذ موضوع التهرب على محمل الجد، ولم يكن مطلوبا فقط فرض أحكام القانون على المتهربين، بل استرجاع حقوق الخزينة والمواطنين ممن اعتادوا التحايل على القانون، واستخدام وسائل ملتوية وغير إخلاقية أو قانونية لإخفاء مداخيلهم من النشاط الاقتصادي.
لا ينبغي هنا توجيه الاتهامات جزافا، ولا إصدار الأحكام دون دليل، فثمة قطاعات واسعة وأصحاب أعمال كثر يظهرون التزاما تاما بأحكام القانون، ويؤدون ما عليهم من حقوق للخزينة. ولا ينبغي أيضا إدانة أي رجل أعمال أو شركة بتهمة التهرب الضريبي، بمجرد قيام السلطات الضريبية بتدقيق حساباتها ومراجعتها. هذا النوع من المراجعات روتيني في عموم الدول، ولا يعني الإدانة المسبقة، وعادة ما تخضع قرارات مقدري الضريبة لنقاش موضوعي بين الطرفين، مثلما يملك الطرف المعني حق اللجوء إلى القضاء للبت في الخلافات.
المهم في الأمر أن ندعم جميعا سياسة الحكومة في هذا الاتجاه، ولا ننظر إليها كعملية لتصفية حسابات، ونطالبها بالمزيد من التشدد في ملاحقة التهرب والمتهربين، واعتماد ذلك كنهج دائم إلى أن يستوي كثقافةٍ في مجتمعنا، يعبر من خلالها الجميع عن امتثالهم التام للقانون بطواعية، والالتزام بدفع ماعليهم من حقوق مالية.
هذه العملية تتطلب جهدا كبيرا وحملات توعية مستمرة، مثلما تتطلب إصلاحا مستمرا للمؤسسات المعنية بجمع الضرائب وتطوير قدراتها ومراقبة سلوكيات العاملين فيها.