الرئيسية مقالات واراء
لم ينسى الشعب الأردني بمختلف أوساطه وثائق الأردن البنمية عام 2016 . فقد صدمنا بما تحويه وثائق بنما من معلومات زخمة حول الجنات الضريبية لقائمة تضم 760 شخصية سياسية وعامة , يقيمون على الأراضي الأردنية، ويحملون الجنسية الأردنية، يساهمون في قرابة 3400 شركة أوف شور، مسجلة في ملاذات ضريبية آمنة أبرزها جزر العذراء البريطانية، و برأسمال ضخم بملايين الدولارات الأميركية يوازي تماما صدى الأسماء التي ذكرت بالتقارير.
و قبلها بعام كشفت تسريبات سويسليكس في 2015 أن غالبية المتهريبين ضريبيا يخفون تعارض المصالح ولحماية أموالهم خارج البلاد لوجود قوانين تحظرالإزدواجية بين السلطة والتجارة لذلك هم من رجال السياسية والاثرياء . الى هنا تنتهي مقاربتي للوثائق مع واقع الحال .
وواقع الحال يفترض ان رجل الدولة يريد أن يعمل شيئاً من أجل بلاده. ورجل السياسة يريد من بلاده أن تفعل شيئاً من أجله ! بالمقابل ماذا يريد رجل الإقتصاد والسياسة من وطنه ومن المال العام ؟؟ في وطننا العربي لكل سياسي أو وزير أو نائب رجل أعمال وراءه ، وكل رجل أعمال ناجح وراءه سياسي أو وزير أو برلماني ، لم تخلو دولة عربية من هذا المبدأ ( إخدمني بخدمك ) والعملية تبادلية بطبيعة الأحوال وراءها مال سياسي ومصالح.
فقد شهدنا في الفترة الأخيرة قصصا شهيرة تنافس قصص ألف ليلة وليلة من الأردن الى مصر الى الجزائر الى سوريا الى تونس الى العراق وليبيا ولبنان وغيرها من الدول من مخلوف الى بن علي الى أويحيى الى أحمد عز الى الأطرش والأخرس . حتى وصلنا الى مسمى "دولة رجال الأعمال" بطريقة مستفحلة تحمل معها الكثير من التجاوزات .
كل ذلك تحت شعارغياب الشفافية وخلل الرقابة و ضعف المحاسبة والتهرب الضريبي, مما يؤدي لتحول القطاع الخاص إلى إمتداد للدولة ، سواء من خلال رجال أعمال محسوبين على الحكومات أو شبكات منتفعين أو ساسة بعينهم . لتكون كارثة رجل السياسة والإقتصاد كارثة العملية السياسية فأصبحت السياسة عبارة عن جروب مساهمة عامة وربما خفي عن البعض أن وضع البيض في سلة واحدة هو عمل محفوف بالمخاطر.
وفي المشهد الأردني , الفساد تحول إلى ظاهرة صوتية يصعب فهمها أو إسكاتها، ويبدو أن المسألة تحتاج إلى ما هو أكثر من ذلك , مع تكرار الحكومة اصرارها على محاربة هذا الملف الحساس و تصاعد التشكيك في النوايا في ظل ما نشهده من أزمة إقتصادية معقدة وإقتصاد خفي تعود أسبابه إلى عوامل هيكلية، وتراكمات عجزت الحكومات المتعاقبة عن اجتراح حلول جذرية لها.
ان ربط السياسة بالإقتصاد هو نمط مشوه يستفيد منه أفراد من طبقة معينة على حساب جموع الشعب , طبقة من دولة رجال الأعمال والعطاءات لمدارس او شوارع أو جسور او شحنات غذائية أو إسكانات أو بنوك أو صرافة او اتصالات أو تبغ او طاقة , فنرى دورهم يبرز في التبرع للكوارث والأزمات, وهو دور متناقض مشوه فهو من جهة يعطي إنطباعا عاما بأن الحكومة عاجزة ماليا , ومن جهة أخرى نفاق سياسي , عبرمشاركة سياسية مشوهة منقوصة فهم يحصلون على مزايا واستفادات ضريبية اقتصادية دون غيرهم . وهي تقريبا حالة تشبه ما يسمى بغسل الأموال لكن بطابع إنساني سياسي إقتصادي .
ورغم أن الشعار أصبح لا حصانة لفاسد ، ودون تهاون مع أي كان، وأن الجميع تحت مظلة القانون. فإن مهمة هيئة النزاهة ومكافحة الفساد تحتاج الى جهود مساعدة فلا تمتلك الولاية العامة بالشكل الذي يسمح لها بفتح كل الملفات خاصة وانها ملفات متداخلة تمس جيب المواطن بالدرجة الاولى .
والواضح في الأمر ان قطاع الإسكان والأراضي هو أكثر الأنماط إستثمارا لهم , بل هو الأعلى سواء كان من قبل مستثمرين أردنيين أو من تحصلوا على الجنسية الأردنية أو عرب بشراكة أردنية , مع الحصول على إمتيازات تترجم الى أموال , وبالمقابل الشعب هو المستهلك الأول وغالبية الإستهلاك مرهون بقروض مالية بنكية أو غيرها حتى وصلت القروض الشخصية للأفراد في الأردن في عام 2019 الى أكثر من 15.2 مليار دينار اي بنسبة 66.6 % من الدخل.
إضافة الى ذلك نجد بعضهم يتاجرون بالإمتيازات ولديهم تحالفات وجماعات بل قد نجدهم مجالس أمناء ولديهم وسائل إعلامية وأقلام ومواقع اليكترونية ، سواء أكانت هذه أدوات صريحة أم غير صريحة، مباشرة أم غير مباشرة، مطلقة أم نسبية. لكنها لها دورها في تلميع صورهم وأدوارهم والدفاع عنهم . حتى أصبحت عملية التمييع لكل ما هو ضدهم مباح . بل ربما نجدهم عدميون تماما في نقاشهم السياسي وبأن المواطن هو سبب البلاء ويحملون الشعب مسؤولية تردي الأوضاع كافة . وربما هنا أيضا نقع في إشكالية رجل السياسة ورجل الدولة .. والحديث عن السلوك السياسي الوطني الحقيقي .
وبعيدا عن الإشكاليات نطرح الأسئلة , وهي متى سيتم الكشف عن هذه الأنماط والشخصيات ؟، ولماذا لم يعطى موعد محدد للكشف عنها ؟ وما نوع القضايا المراد كشفها ؟ الشعب ينتظرالنتائج بعد إنزلاق الملايين الى صفوف البطالة، و الفقر المدقع، والفقر اللصيق والفقر الحتمي.
حجم التهرب الضريبي سنويا في الأردن مليار ونصف المليار دينار ، والحكومة مطالبة شهرياً بدفع نحو 700مليون دينار كرواتب للعاملين في الجهازين المدني والعسكري والمتقاعدين، إضافة إلى أقساط الدين العام وفوائده .
ومع قسوة الظرف المالي الحالي , وأزمة كورونا , نحتاج الى تطهيرعام ضد المحسوبيات والمحاصصة، والشللية ، وإستئصال للفساد والمفدسين، وتوظيف معايير وشروط وطنية حازمة من رجال الدولة لإنقاذ السياسة من سلطة المال وتوغلها وتحولها الى صناديق وخزائن وقاصات مالية وملاذات أمنة .وليس فقط من أجل المصداقية الدولية أمام المنظمات المانحة .
ليعلم المضاربون والمنافقون والمخادعون والمستغلون , أن الضريبة الأهم هي الولاء للوطن وعدم خيانته ، و ان الفساد والتهرب الضريبي هو الجريمة الثانية بعد الخيانة العظمى للبلاد . وتهمتك لص وطن وسارق شعب .