الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    العثرات التشريعية أمام مكافحة الفساد - د. ليث نصراوين

    دائما ما تعتبر الحكومات الأردنية أن مكافحة الفساد من أهم أولوياتها الوطنية، في حين ترى القوى الشعبية أنه لا توجد إرادة سياسية حقيقية بفتح ملفات الفساد وملاحقة من تحوم حوله شبهات الاعتداء على المال العام. وبين الرغبة الحكومية وانعدام الثقة الشعبية، لا بد من الوقوف على فعالية التشريعات الأردنية ذات الصلة، وذلك من أجل التحقق من مدى فعاليتها في ملاحقة جرائم الفساد.

    إن الإرادة السياسية بمكافحة الفساد تصطدم بنصوص دستورية وقانونية تقف حجر عثرة في التصدي للفساد في القطاعين العام والخاص. فعلى صعيد الدستور الأردني، نجد أن المادة (56) منه تشترط لملاحقة كل من الوزراء العاملين والسابقين عن الجرائم الناتجة عن تأدية وظائفهم وجوب موافقة مجلس النواب، وصدور قرار عنه بالإحالة إلى النيابة العامة. فالجرائم التي تعتبر متعلقة بعمل الوزير كما حددها قانون محاكمة الوزراء تمتد لتشمل جرمي الإخلال بواجبات الوظيفة وإساءة استعمال السلطة. وهذه الأفعال الجرمية لا تملك النيابة العامة تحريك دعوى الحق العام في مواجهة الوزراء، إلا بعد صدور قرار الإحالة عن مجلس النواب.

    إن غياب مجلس النواب في الفترة الحالية بسبب عدم الانعقاد، وتغييبه دستورياً لمدة أقصاها أربعة أشهر على ضوء القرار الملكي المرتقب بحل المجلس، من شأنه أن يُعطِل المسؤولية الوزارية الجنائية عن جرائم الفساد التي قد تُرتكب في الوزارات والدوائر الحكومية. بالتالي، فإن أولى العثرات التشريعية أمام الجهود الوطنية في مكافحة الفساد مصدرها الدستور الوطني، الذي يعد أسمى القوانين وأعلاها مرتبة في الدولة.

    وعلى صعيد القوانين الوضعية، فإن التعديلات المستمرة على قانون هيئة النزاهة ومكافحة الفساد يمكن اعتبارها من المعيقات التشريعية أمام الجهود الوطنية لمكافحة الفساد، وذلك ابتداء من توسيع مهام واختصاصات الهيئة لتشمل ضمان التزام الإدارة العامة بمبادئ النزاهة الوطنية والتأكد من تطبيقها لقواعد الحاكمية الرشيدة، وتلقي شكاوى المتضررين وتظلماتهم من الإدارات الوطنية. فهي الأعمال التي كانت مسندة في السابق إلى ديوان المظالم قد تقرر نقلها إلى هيئة مكافحة الفساد في عام 2016.

    إن تجربة هيئة مكافحة الفساد في متابعة تصرفات الإدارات الحكومية ومخاطبة مجلس الوزراء في حال عدم تعاونها في حل الشكاوى المقدمة ضدها، بحاجة إلى تقييم ومراجعة بهدف الوقوف على مدى نجاح الهيئة في القيام بهذا الدور، ومدى تأثيره على دورها الرئيسي في مكافحة الفساد.

    كما شكلت التعديلات المستمرة على قانون هيئة النزاهة ومكافحة الفساد حالة من عدم الثبات التشريعي، خاصة وأن معظم التعديلات الأخيرة تمثلت في إعادة نصوص قانونية كانت موجودة في قانون هيئة مكافحة الفساد لعام 2016 قبل أن يتم إلغاؤها. إلا أنه قد تقرر مؤخراً إعادة بعض هذه الأحكام إلى القانون الحالي، والتي من أهمها شمول الموظف العمومي غير الأردني وموظفي المؤسسات الدولية العمومية بأحكام القانون، واعتبار جرم غسل الأموال من جرائم الفساد، وعدم إخضاع دعوى الحق العام والعقوبات المتعلقة بالفساد لأحكام التقادم.





    [15-07-2020 08:29 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع