الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    شبق الانتخابات

    كتب: مصطفى صوالحه - بعد ليلةٍ استعرض البعض فيها أسلحةً أوتوماتكية أنارت السماء بطلقاتٍ كالُشهب، وبعد مواكب اخترقت قانون الدفاع وتجولت في الشوارع دون خوفٍ من الأجهزة الأمنية وقبضتها، وبعد تجمعاتٍ لمئات الأشخاص دون التفاتٍ إلى الكارثةِ الوبائية التي ستحدث في الأيام المقبلة، نجد أننا أمام مشهدٍ يستوجب منا الحديث فيه عن المنظومة المجتمعية من جانب، ومقومات القانون وسبل الردع من جانبٍ آخر.

    عند رؤيتنا لمخالفاتٍ صريحة في بعض المناطق انتصارًا وتأييدًا لأحد المُرشحين الفائزين فإننا نبحث عن إجابات تتعلق بالطريقة التي ينظرون من خلالها للقانون ومدى استيعابهم لأخلاقيات تصرفاتهم، فمثلًا، ما الذي قد يدفع بأشخاص لمخالفة القانون والتجمّع مع آخرين يفوق عددهم المآئة؟..أو ما الذي قد يشعر به من يمتطي الأحصنة ضمن مواكب مؤازرة تقود بشكلٍ خطير على الطرقات دون مراعاة للقوانين؟..أما من الناحية النفسية، هل حقًا نشوة الإنتصار تتفوق على الانصياع لأوامر الدولة؟..ما هي الغاية من كل هذا التباهي؟..ولم الاعتداء على المرتبات الـأمنية؟.

    إن إجراء الانتخابات في وقتٍ قطاعات الدولة الحيوية مُهددة وغير مستقرة يحتاج إلى دراسة، وصحيحٌ أن الهيئة المستقلة للانتخاب كانت مستعدة لذلك سواء عن طريق مسح "باركود" الهوية دون لمسها واستخدام حبر خاص أو من خلال عدد المراكز الكبير تجنبًا للتزاحم، لكن ما كان يحدث خارج مراكز الاقتراع من تجمهر فوفوضي لم يكن مُبشرًا، حتى أن الأجهزة الأمنية أطلقت النار في الهواء حتى يبتعدوا قليلًا عن البوابات، ناهيكم عن بعض الاعتداءات التي تمثلت بالضرب وسرقة هوية أحد الناخبين الذي جاء ينتخب مرشحًا آخر كان يُمثل تهديدًا لمُرشح المعتدين، وهكذا هي الأمور.

    وكان يجدر بالحكومة الالتفات لمشهد الشارع الأردني قبل الحظر بيوم، فطابور الأشخاص أمام المخابز أطول من ذلك الذي أمام مراكز الاقتراع، ويمكن النظر لذلك من خلال النسب النهائية للاقتراع.

    إن التحدث في كل شيء حدث خلال الأيام الماضية في مقالٍ واحد قد يُربككم، لكنني في حالةٍ هستيرية وأنا أكتبه، فما شوهد في الأمس غير معقول، وما اتضح من كل ما جرى أن البعض ينظر للقانون على أنه مجرد نشوةٍ حكومية، ذلك بالتأكيد يظهر من خلال: إغلاق الطرق، حرق الممتلكات العامة، التعدي على الأشخاص، واستخدام الأسلحة بشكلٍ علني مُتفاخر به..كل ذلك يعمل على تأطير صورة منظومة مجتمعية لا تكترث للقانون مطلقًا، وقد يتجه البعض للقول بأنها لا تمثل إلا جزءًا صغيرًا من منظومتنا، لكنها في النهاية تنتمي لها وقد تؤثر عليها.

    أما عن العملية الانتخابية ذاتها، فهنا يجب أن نتحدث عن عمليات شراء الأصوات، والتساؤل الذي يطرح نفسه هنا..إذا كان هناك من تلاعب بالضمير والأساس الأخلاقي للإنسان عن طريق المال الأسود الذي بسببه سيكون هناك نائبًا فاسدًا أخلاقيًا تحت القبة البرلمانية، فلِمَ يجب علينا المشاركة في إيصال هكذا شخصيات للقبة؟..وهل سيكون من الأخلاقي القَبول بمثل هذه التجاوزات؟..والأكثر أهمية، ما مصير من ظهر في فيديوهات شراء الأصوات والتفاوض على السعر إلى جانب إمساك القرآن الكريم كوسيلة ضغط؟..ثم هناك الحاجة التي دفعت بالبعض لتلبية نداء: حي على النقود، حدث ذلك أمامي، شخص قام ببيع صوته مقابل 15 دينارًا، وعند سؤالي له عن سبب القيام بذلك، قال: "لا أريد أن يأتي الحظر دون امتلاكي للسجائر"، إنها إحدى الإجابات التي ترسم مشهد اليوم.

    بالعودة إلى مظاهر ما بعد النتائج، علينا التحدث عن الوزاع الأخلاقي وكيف يمكننا ترقية المنظومة المجتمعية حتى تستجيب للقوانين وأنه من المعيب عدم الامتثال لها في ظل ظروفٍ كهذه، وإذا كان "العرس الديمقراطي" الذي تحدث عنه البعض سيجعلنا نشعر بالخوف، فإنه يجب تسميته ب"العزاء الديمقراطي"..فآخر ما تحتاجه الدولة هو شعور المواطن الأردني بالاستياء.

    أمرٌ آخر، ما هو شعور المواطن الذي اتخذ من منزله مكانًا لتأدية مراسم الحظر عندما كان يشاهد أن هناك من لا يعترف به أصلًا؟..كأن يتجول أحدهم بالأحصنة، أو أن يتم تنصيب الخيام، إلى جانب الرقص، الغناء، إطلاق النيران، توزيع الكنافة، كلها مراسم قد تكون للوهلة الأولى متعارفٌ عليها، لكنها في أوقاتٍ كهذه كريهةٌ آسنة تُظهر الغرور على حساب المسائلة الذاتية والجنون على حساب الإذعان للقوانين.

    ربما الآن ندرك تمامًا أن المنظومة المجتمعية بحاجة إلى برنامج ترقية على المستوى الأخلاقي والقانوني، فمن حق المواطن الأردني أن يشعر بالعدل والمساواة، فقيمة الإنسان فطرية ولا يمكن التنازل عنها.

    أما عن مقومات النواب الجدد، فكل ذلك سيتحدد في الأيام المقبلة..أهلًا بمجلس النواب التاسع عشر..أهلًا بالرصد.





    [13-11-2020 03:06 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع