الرئيسية تقارير
أحداث اليوم -
أحمد الملكاوي، أحمد بني هاني - بعد 11 عاما، من إقرار قانون منع الاتجار بالبشر في الأردن، الذي بدأ العمل به في نيسان عام 2009، قررت الحكومة وبناءً على توصيات لجنة منع الاتجار بالبشر، اعتبار جرائم الاستغلال بالتسول من القانون.
ومع كل ذلك، يبدو أن إقرار القانون ما زال مبهما حتى الآن، ولا يعطى صفة الاستعجال في مجلس النواب التاسع عشر المنتخب خلال الأيام الماضية، في ظل عدم تحديد موعد بدء عمله في دورته العادية الأولى، بحسب المركز الوطني لحقوق الإنسان الذي أكد أهمية إقرار مشروع القانون المعدل.
ويرى أحمد أبو الرب (25 عاما) عامل بمحل سوبر ماركت في محافظة إربد، أن مجموعة أطفال متسولين يعملون في مجمع عمّان بشكل يومي وخاصة في المنطقة التي تكثر فيها الصرافات الآلية وفروع البنوك.
ويبين أبو الرب لـ"أحداث اليوم"، أن مشغل الأطفال المتسولين والذي عادة ما يكون يراقبهم على إحدى زوايا المجمع هو شخص بالغ، ولكن سرعان ما يهرب الأطفال في حال وصول أي طاقم تفتيش من وزارة التنمية الاجتماعية والأمن العام.
ويشير إلى أن عدة شكاوى وصلت للتنمية بذلك ولكنها عند وصولها للمكان لا تجد أحد منهم، ذلك لأن المراقب الخاص فيهم يبلغ فورا بأن دورية وصلت، ليتكرر المشهد كل فترة وأخرى، فيما يلحظ أبو الرب أن الأطفال اختفوا من المنطقة خلال فترة الحملة الأمنية على فارضي الإتاوات وتبعها المتسولين ليعودوا بعدها بأيام وكأن شيئا لم يكن.
تعديلات مطلوبة
من جهته يؤكد مصدر قضائي طلب عدم ذكر اسمه، أن القانون أقر عام 2009 لأول مرة وبدأ العمل فيه على نية تعديل ما هو متطلب خلال عامين أو ثلاثة بحد أقصى وهو ما حدث مؤخرا حيث بدأ الحديث عن اعتبار استغلال التسول ضمن جرائم الاتجار بالبشر.
ويبين المصدر لـ"أحداث اليوم"، أن اعتبار هذه الجريمة يأتي كخطوة ممتازة خاصة وأن المجتمع الأردني يلحظ هذه الجريمة بشكل واضح، إلا أن قانون العقوبات هو من يحكمها بحسب المادة 389 المختصة بالتسول ويعتبرها جنحة لا تزيد عقوبة الحبس فيها على 3 سنوات وثلث المدة للأحداث بحسب القانون وتعديلاته لعام 2014.
ويشير إلى أن الأصل في القانون الأول، أن يعامل جريمة التسول كنوع من أنواع الاستغلال الذي يحاسب عليها بمقتضى جرائم الاتجار بالبشر، إلا أن نتيجة عدم التطبيق، جاءت تسمية التسول بالتعديلات الجديدة.
تغليظ العقوبات
ويعتبر مدير مديرية مكافحة التسول في وزارة التنمية الاجتماعية ماهر كلوب أن إقرار المشروع المعدل للقانون سيحد من الظاهرة مما يشكل حماية للأطفال الضحايا وغيرهم.
ويقول كلوب في حديثه لـ"أحداث اليوم"، إنه تم ضبط نحو 2566 متسولا ومتسولة حتى تشرين الأول من عام 2020، مما يدفعنا إلى إقرار التعديلات الجديدة وتغليظ العقوبات حتى تكون رادعة للمتسولين والمسخرين.
ويبين أن التسول قد يأخذ أشكالا أخرى منها بيع مواد غذائية (سكاكر، علكة، بسكويت) وبعضها يكون فاسدا وغير صالح للاستهلاك البشري، إلا أن التسول المبطن قد يساهم في تكييف الجرائم إلى عمالة أطفال أو غير مرخصة وليست تسول.
التعديلات لا تكفي
أما قاضي الجنايات المتقاعد لؤي عبيدات، يشيد بإضافة بند التسول ضمن جرائم الاستغلال الواردة بقانون منع الاتجار بالبشر، خاصة وأنها ظاهرة بدأت بالزيادة خلال السنوات الأخيرة.
ويقول عبيدات لـ"احداث اليوم"، أنه وفي الوقت ذاته لا يجب ترك المسؤولية كلها على عاتق القضاء، ويجب على السلطة التنفيذية اعتماد برامج رعاية وحماية واضحة تسهم في حد من هذه القضايا، خاصة وأن بعض التعديلات القانونية وتغليظ العقوبات لا تحصر وحدها الجريمة أو تقلل منها.
ويؤكد أن إجراء تغليظ العقوبات والتشريع يعفي الحكومات بشكل عام من مسؤولياتها، ويكتفي فيها بالقضاء خاصة في القضايا الاجتماعية المتفاقمة كالتسول، في ظل عدم وجود منظومة رعاية وحماية مادية ومعنوية تحيد فئة الأطفال عن جريمة التسول خاصة وأن لها مردودا مالياً مجزيا لهم ولعائلاتهم.
وعن حال الأحداث بمختلف الجرائم التي يقومون بها، فإن القانون شبه مكتمل والتقصير مصدره بعض الجهات التنفيذية كالباحث الاجتماعي على سبيل المثال والذي من الضروري أن يجري بحثا معمقا على حالة الحدث من الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والأكاديمية، لا أن ينجز ذلك في ظرف دقائق وساعات معدودة.
ويوضح أن السلطة القضائية لا يجب أن تتحمل مسؤوليات انتشار جرائم الاتجار بالبشر، خاصة وأن القضاء في بعض الأحيان الموازنة بين كافة أطراف القضايا بما فيها الجاني أو المتهم، وهو ما يجب النظر له بعين الاعتبار في المنظومة التنفيذية من حيث تأمين الظروف المناسبة التي تبعد الجاني عن ارتكاب هذه الجرائم.
لا قضايا تسول اتجار بالبشر
واطلع معدا التقرير على موقع قرارك (برنامج يضم قضايا المحاكم في المملكة الأردنية الهاشمية، وهو الموقع الرسمي والمعتمد من قبل نقابة المحامين الأردنيين)، للبحث عن قضايا تسول تم تكييفها على أنها اتجار بالبشر ولم يجدا أي قضية أو حكم قضائي بذلك.
في حين يؤكد المحامي المختص بقضايا الاتجار بالبشر في مركز تمكين للدعم والمساندة القانونيية، أحمد المطالقة أن عدم وجود أي قضايا، يعود لعدم وجود نص قانوني واضح بالأصل فالتسول لم يكن ضمن الجرائم المرفقة تحت بند الاستغلال في القانون الأصلي.
ويوضح المطالقة لـ"أحداث اليوم"، أن التعديلات التي لم تقر بعد وهي بحاجة إلى إضافات جديدة عليها لضمان حماية الضحية ورعايته، فمثلا لا يخصص للمجني عليه في قضايا الاتجار بالبشر مراقب سلوك في حال كان طفلا تحت سن الـ عاما18، رغم الحاجة الماسة إليه، علما أنه يخصص للحدث المشتكى عليه أو المتهم.
ويضيف أن التعديلات الواردة كفلت الجهات المختصة حصول الضحية على المساعدة القانونية، وليس تأمينه بها وهو ما يترك بعين الاعتبار الأمر مبهما فمن يتحمل تكاليفها ومن يقوم عليها في حال عدم قدرة ذوي الضحية دفع الأتعاب أو تأمين المحامي، في حين ضمن القانون للمتهم أو الجاني وجود محامٍ يدافع عنه على نفقة الحكومة بحال كانت ظروفه لا تساعد على ذلك.
كذلك، فمن وجهة نظر المحامي أن أصول المحاكمات الجزائية بالأصل هي بحاجة تعديل لأن محامي الضحية لا يستطيع تقديم البينات أما القضاء أو مناقشة الشهود أو التدخل في مجريات الجريمة، في حين يحق ذلك للنيابة العامة والتي تأخذ على عاتقها دور الجريمة في المجتمع بالعموم وليس شخص الضحية.
ويقر باكتمال أركان المحاكمة على حساب المجني عليه ولا يعطي الحق الكامل له في الدفاع عنه وقد تسهم في إنهاء القضية وتبرئة المتهم فيها أو تخفيض العقوبات عن ماهو واجب فيه. كما أن تسريع التحقيق في قضايا الاتجار بالبشر، وإنهاءها في يوم واحد قد لا يعطي للقضية حقها واكتمال نصابها من الأدلة والبينات التي قد تجتمع خلال أيام عدة وليس في 24 ساعة فقط.
وعن عدم وجود تعريف الاستغلال بالتسول يبين أنه وفي بعض الأحيان فإن وجود التعريف لمثل هذه القضايا قد يدعو الجناة للتحايل على القانون، واتخاذ أشكال أخرى.
ويشير المطالقة أن جرائم التسول المنظم، واستغلال الأطفال فيه قد يكون من قبل الأهالي أنفسهم فيكون ولي الأمر هو المنظم، لأن ذلك يشكل لعائلته وأبنائه دخلا كبيرا، فيصعب حتى الابتعاد عنه حتى وإن تم ضبطه وتحديد العقوبة من خلال القضاء، سيعود لما كان عليه قبل إنفاذ العقوبة.
جريمة منظمة
من جهته يرى نقيب المحامين الأسبق سمير خرفان أن التسول في الأردن يتخذ شكل الجريمة المنظمة مما يدفعنا إلى تبني اعتبارها أحد أشكال الاتجار بالبشر.
ويقول خرفان لـ"أحداث اليوم"، الذي طالب في أكثر من مناسبة إلى تعديل قانون منع الاتجار بالبشر رقم 9 لسنة 2009، إن الحاجة تقتضي شمول التسول وذلك لتنوع أشكال وأساليب الجرائم ومنها التسول والعصابات التي تدير هذه الظاهرة.
ويضيف أن شمول التسول بقانون الاتجار بالشر من شأنه حماية الضحايا وخاصة الأطفال والنساء ويهدف إلى محاسبة الجناة الذين يديرون هذه العمليات من خلال توزيعهم على مناطق محددة واتخاذهم شكلهم العمل المنظم، وأن هذه الأعمال تعرض حياة الأطفال إلى الخطرفي ظل ظروف سيئة.
"نعم تأخرنا كثيرا في اعتبار التسول أحد أشكال الاتجار بالبشر"، يؤكد خرفان، مشيرا إلى أن ذلك سمح بتكرار الجريمة للأشخاص بسبب عدم وجود نص تشريعي وعقوبات رادعة للمسخرين أو الذين يديرون هذه الأعمال.
الاستعجال في النواب واجب
ويشدد المفوض العام للمركز الوطني لحقوق الإنسان علاء العرموطي على ضرورة الدفع باتجاه عرض مشروع القانون المعدل وعرضه على مجلس النواب وإقراره بأسرع وقت.
ويقول العرموطي لـ"أحداث اليوم"، إن الأردن تأخر في شمول التسول كأحد أشكال جرائم الاتجار بالبشر، رغم أن القانون صدر لأول مرة عام 2009، مضيفا أنه يجب دراسة أسباب هذا التأخر وآثاره على الظاهرة والضحايا.
ودعا إلى تغليظ العقوبات ووضع آليات صارمة وواضحة لتطبيقها، وعدم الأخذ بالأسباب المخففة لها حتى تكون رادعة وحقيقية، معتبرا أن التعديلات الجديدة أكثر عدالة في مساعدة الضحايا ومعاقبة المسخرين أو ذوي الضحايا في حال كانوا المشغلين لهم بالتسول.
صندوق دعم الضحايا خطوة ممتازة
ويؤكد المركز الوطني لحقوق الإنسان أن القانون الحالي انطوى على قصور عن الإحاطة بصور الاتجار بالبشر بصورة تامة وشمولية، خاصة المستحدثة منها الأمر الذي أدى إلى إفلات البعض من العقاب أو عدم تحقيق العقوبات التي أوقعت عليهم بموجب التشريعات العقابية الأخرى على مفهومي الردع العام والخاص.
وتقول ميسرة أعمال مفوضية الحماية في المركز نهلة المومني في ردها على استفسارات "أحداث اليوم"، إنه تم إدراج التسول ضمن مفهوم جريمة الاتجار بالبشر المعاقب عليها بعقوبات جنائية مشددة في حال ارتكابها بشكل منظم بحق من هم دون 18 عاما، حسب مشروع القانون المعدل.
وتضيف المومني أن المادة الثانية من مشروع القانون المعدل لم تبين صور هذه الجريمة وفق الأساليب الُستحدثة لها كالتستر بالتسول عبر عرض السلع زهيدة الثمن أو تقديم الخدمات الظاهرية كمسح زجاج المركبات وغير ذلك، والتي تتجاوز مدلولاتها صور جريمة التسول الواردة في المادة (389) من قانون العقوبات رقم (16) لسنة 1960م. حيث ان هذه الانماط المستترة.
وتوضح أنه تم اقتراح توسيع نطاق مفهوم جريمة الاتجار بالبشر من قبل المركز لتشمل "احتجاز أو إخفاء أو إتلاف وثائق السفر أو الإقامة أو البطاقة الشخصية الخاصة بقصد استغلال الأشخاص"، فيما تؤكد أن المركز قدم مقترحا بتعديل المادة (13/ب) من مشروع القانون بصورةٍ تكفل استخدام التقنيات الحديثة لحماية الشهود جميعهم وعدم اقتصارها بمن لم يتم الثامنة عشرة من عمره.
واعتبرت المومني أن إنشاء "صندوق مساعدة ضحايا الاتجار بالبشر"، المخصص لتقديم المساعدة القانونية للمجني عليهم والمتضررين من الجرائم من الخطوات الإيجابية والنوعية في مشروع القانون المعدل. وأنه يقترح تخصيص موارد مالية لهذا الصندوق ضمن الموازنة السنوية لوزارة العدل، وعدم اعتماده على التبرعات والهبات والمنح فقط.
أما فيما يتعلق بتأخر إقرار القانون المعدل فيؤكد المركز أن القانون من القوانين التي شهدت مشاورات ونقاشات معمقة بين الأطراف ذات العلاقة للوقوف على إشكاليات تطبيق القانون الحالي خاصة أن قانون منع الاتجار بالبشر من التشريعات التي تنطوي الصور الجرمية المنطوية تحت إطاره على أشكال عديدة ومتداخلة مع جرائم أخرى.
وتأمل المومني أن تتم مناقشة القانون المعدل لقانون منع الاتجار بالبشر تحت قبة مجلس النواب التاسع عشر على وجه السرعة؛ إذ يعد من التشريعات الهامة والتي تمس فئة من الفئات الأكثر عرضة للانتهاك، وعدم إقراره قد يؤدي إلى إفلات مرتكبي بعض الأشخاص من مرتكبي هذه الجريمة من العقاب بسبب عدم شمولية القانون الحالي.
ووفق التعديلات الجديدة المنتظر إقرارها في مجلس الأمة التاسع عشر، سيعاقب قانون منع الاتجار بالبشر الجاني بالحبس مدة لاتقل عن 7 سنوات وغرامة لا تقل عن 5 آلاف دينار ولا تزيد عن 20 ألفا.
وأضافت التعديلات الجديدة التي تم إقرارها من الحكومة مؤخرا، كلمة التسول في الفقرة ب من المادة 3 من القانون الأصلي والتي نصت على "وتعني كلمة الاستغلال، استغلا الأشخاص في العمل بالسخرة أو العمل قسراً أو الاسترقاق أو الاستعباد، او نزع الاعضاء أو في الدعارة أو أي شكل من أشكال الاستغلال الجنسي".
وكانت دول عدة اتخذت قرارا باعتبار التسول أحد أشكال وأساليب الاتجار بالبشر ضمن قوانينها، منها مصر التي اعتبرت ذلك جريمة اتجار بالبشر في عام 2010.
وحاول معدا التقرير التواصل مع رئيس اللجنة الوطنية للاتجار بالبشر أمين عام وزارة العدل القاضي زياد الضمور، الّا أنّه ورغم موعد مع مدير مكتبه، لم يجب على اتصالاتنا ورسائلنا على مدار يومين.
*مصدر الأنفوجراف:
1- مسودة قانون معدل لقانون منع الاتجار بالبشر لسنة 2020
2- وزارة التنمية الاجتماعية