الرئيسية مقالات واراء
لطالما استمعنا لكلمات رنانة حول الإصلاح السياسي والإداري والاجتماعي والثقافي والاقتصادي، ولكن دون أن نتقدم للأمام فظلت الأمور على حالها، وخلال السنوات الثلاثين الأخيرة سمعنا حديثا واسعا عن الإصلاح والحكومات البرلمانية، وتمكين الأحزاب والشباب والمرأة وترشيق الجهاز الإداري، سمعنا كل ذاك دون أن نستشعر به على أرض الواقع، فبقيت الأمور تراوح مكانها صعودا قليلا ونزولا أحيانا، فبتنا كمن يقف على السلم دون أن يمتلك القدرة على النزول أو الصعود.
اليوم، وبعد 32 عاما من التحول الديمقراطي، وبعد 100 عام من قيام الدولة التي نحتفل بدخول مئويتها الثانية، فإن من واجبنا جميعا، أن نفكر بطريقة مختلفة عما مضى، طريقة تضعنا بالشكل الذي نريد ونحقق بموجبه ما أشار إليه جلالة الملك في أكثر من مناسبة وخاصة أوراقه النقاشية المختلفة، طريقة تخرجنا من الآليات والأبجديات القديمة التي تقوقعنا حولها سابقا، وساهمت في تعطيل إصلاحنا المنشود.
لذا فإنه وحتى نتقدم للأمام وبشكل جدي بات لزاما علينا أن نبتكر رؤى مختلفة وأدوات قادرة على البناء لمستقبل جديد، رؤي تضعنا كدولة مميزين عن محيطنا العربي، وهذا التميز لا يأتي إلا من خلال إصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي، فدولتنا لا تمتلك مقدرات مالية كما دول عربية غنية، ولهذا فإن الذهاب باتجاه إصلاح حقيقي هو الذي سيجعلنا نتميز عن غيرنا ونختلف عنهم، وتجعلنا ندلف مئويتنا الثانية بكل قوة وعزم، وتجعلنا من خلال إصلاحنا المنشود أكثر قوة وقدرة على الوقوف بوجه أعتى التطورات الممكنة.
تأسيسا على ذلك فإنه من المهم أن نقتنع جميعا أن الإصلاح ليس كلاما فقط، وإنما علينا أن نرى مفاعيل إصلاحنا المنشود على الأرض، ولا يمكن أن يتم ذلك دون إرادة جادة وسواعد لديها قدرة ومكنة لتنفيذ ما نريده في المرحلة المقبلة.
لذا علينا أن نتعظ جميعا بما جرى سابقا عندما تحدثنا وتحدثنا عن إصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي وإداري وثقافي وتعليمي وخدمي وصحي، ولكننا وجدنا من يضع العصي في الطريق ويعيق أي تطور منشود، والمؤسف أن تلك العصي كانت تضعها قوى مدفوعة بعقليات راديكالية متحجرة أو فكر متكلس، أو مجموعات تريد الحفاظ على مصالحها ومكاسبها، فكان همهم ليس مصلحة البلاد والعباد بقدر البحث عن مصالحهم الآنية الضيقة.
اليوم ونحن نحتفل بدولتنا فإنه لا يليق بنا أبدا أن ندخل مئوية ثانية للدولة ونحن نفكر بذات الآليات الماضية، ولذا وجب علينا أن نزيح عن طريقنا كل من يعرقل أي إصلاح حقيقي، ونذهب بالقول والفعل تجاه التأسيس لمرحلة مختلفة، مرحلة قوامها بناء دولة مدنية حديثة أساسها العدالة والمساواة والمواطنة وإعادة النظر بكل ما يتعلق بالمديونية والارتهان لصندوق النقد الدولي أو المؤسسات الدولية، وإعادة النظر في جهازنا الإداري وسرديتنا الثقافية والابتعاد عن الرؤى العقيمة التي جربناها سابقا ولم تستطع أن تعطينا ما نريد من تطور وإنتاج رؤى فكرية وثقافية جادة.
وفِي الإطار عينه فإن إعادة النظر بالقوانين الناظمة بكل ما يتعلق بتطوير جهازنا الإداري وكف يد البيرقراط عن التحكم بمفاصل إدارة الدولة، وقتها يمكننا وضع إصلاحنا المنشود في طريقه الصحيح، فالإصلاح ليس إصلاحا سياسيا فقط، وإنما علينا بالضرورة إصلاح كل ما يتعلق بجوانب تطوير الحياة العامة والاقتصادية، ومع يقيننا الدائم أن الإصلاح السياسي أداة تغيير أساسية فإن ذاك يتوجب أن يترافق مع إصلاح اقتصادي واجتماعي وثقافي وإداري، فبغير ذاك لا يمكن أن يستمر أو نصل لإصلاح سياسي حقيقي نصل بموجبه لرؤية حكومات برلمانية وأقلية وأكثرية تحت قبة البرلمان.