الرئيسية أحداث منوعة
أحداث اليوم -
كان لطريق الحرير التاريخي، قدرته على نقل الكثير من العلوم والثقافات وجزء كبير من حضارات الشعوب في ما بينها، وكانت الصين، بكل ما تحمله من سحر شرقي، واحدة من الوجهات التي أثرت وتأثرت بشكل كبير، الأمر الذي جعلها حاضنة لواحد من أقدم وأكثر المساجد زيارة حتى يومنا هذا.
بدأ بناء مسجد «شيان الكبير»، هذا الصرح التاريخي، والثقافي، والديني، الذي يعود إلى نحو 1300 عام، والذي يندرج ضمن لائحة التراث الثقافي العالمي عام 1988، في عهد الامبراطور شوانرونغ، خلال عهد سلالة «تانغ»، ليستمر البناء والتطوير في المسجد على مدى أربع سلالات، وهي سلالة «سونغ»، وسلالة «يوان»، وسلالة «مينغ»، وسلالة «كينغ» التي انتهت عام 1911 ميلادي، وهو لايزال يعتبر الأكبر مساحة في الجمهورية الصينية حتى اليوم.
دخل الإسلام إلى الصين في عهد سلالة تانغ (618- 907 ميلادي)، مع مرور التجار العرب والمسلمين على الإمبراطورية الصينية، وتحديداً إلى «شيان» أو «تشانغان» التي كانت عاصمة الصين آنذاك، وبداية طريق الحرير أيضاً، والتي بحسب بعض الروايات أنها كانت في عهد الخليفة عثمان بن عفان، رضي الله عنه، حيث بني هذا المسجد تكريماً وتقديراً لأولئك الذين أدخلوا الدين الإسلامي إلى الصين واستقروا فيها، ومنذ ذلك الوقت تم تشييد العديد من المساجد، إلا أن «شيان الكبير» بقي الأهم والأكبر والأكثر جذباً.
قد يكون من الصعب وصف شعور أن تكون محاطاً بآيات المصحف الكريم كاملة، التي كتبت قبل قرون بعيدة على جدران هذا المسجد المشيدة من الخشب العطري والمكتوبة باللغتين العربية والصينية، وقطعة صغيرة منه تحمل عطراً ثميناً، بينما يتوسط قاعة صلاة «لي شيو» التي تعتبر الأقدم، عمود صخري نقش عليه التقويم الهجري وكيفية حساب دخول شهر رمضان.
اعتمد تصميم المسجد على التراث الإسلامي والصيني، وهو يشبه القصر الإمبراطوري الصيني بضخامة بنائه وهندسته، فهو لا يعتبر من أكبر الجوامع في الصين فحسب، بل من أهم ما تم إنجازه في الفن المعماري الصيني، والذي يتكون من أربع دور متراصة، تتوزع فيها أربع وثمانون غرفة من المباني الرئيسة والثانوية، يتميز بوجود بوابات مقوسة مزخرفة خلابة تعتبر بوابات مرور من قاعة لأخرى.
يحتوي المسجد على مجموعة لا تحصى من القاعات وأساليب الزخرفة التي تدمج بين فنون الزخرفة والنقوش الإسلامية ونظيرتها الصينية، إضافة إلى عدد من القطع التذكارية، من ساعات شمسية، وصخور تحكي قصصاً قديمة، وأعمدة تعكس مدى عمق وتأثير الدين الإسلامي على الحضارة الصينية.
وبفضل ضخامة مباني جامع شيان وكثرة آثاره التاريخية فقد أدرج في قائمة أهم الآثار المحمية في البلاد، وأصبح مزاراً مهماً للسياح.