الرئيسية مقالات واراء
تصدت أصوات شجاعة لحملة من التعليقات المسيئة على حادثة وفاة الملاكم الأردني المرحوم راشد صويصات، ومراسيم تشييع جثمانه من كنيسة الفحيص.
لن ندخل في التفاصيل، فهي معروفة لمن تابعها أو انخرط في سجالاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن مع كل حادثة مشابهة ترتسم علامات التعجب على وجوه الكثيرين منا، غضبا واستنكارا لما يسمعون ويقرأون من تعليقات، وكأنها تحدث للمرة الأولى أو أنها مفاجأة لم يكن لأحد توقعها.
ثقافة الكراهية بكل تنويعاتها وأشكالها، هي ظاهرة عالمية لا تستثني مجتمعا، ولا تميز بين كيان اجتماعي ديمقراطي وآخر يعيش في ظل الاستبداد.
أعرق الديمقراطيات تعاني اليوم من وباء التعصب والكراهية ونبذ الآخر. في قلب أوروبا الحرة يعاني اللاجئون من الاضطهاد والتمييز وجرائم الكراهية التي وصلت حد القتل. وعلى وقع الثورة التكنولوجية الهائلة تفشت أفكار اليمين المتطرف في أكثر المجتمعات الأوروبية تقديسا للحريات الفردية، وانتشرت أسوأ أشكال الكراهية ممثلة بظاهرة "الإسلاموفوبيا".
وفي بلد مثل الولايات المتحدة الأميركية رائدة العالم الحر في نظر الكثيريين، كاد المجتمع أن ينزلق لحرب أهلية ثانية بفعل الصعود الكبير لتيار اليمين المتطرف وظاهرة الشعبوية المعادية للإنسانية التي تزعهما دونالد ترامب وعصابته.
كل هذا كان يحدث في مجتمعات محصنة بتقاليد ديمقراطية عريقة ودساتير تقدمية، وقيم راسخة ترتكز على مبادئ احترام التعددية ونبذ التعصب، فما بالكم في مجتمعات تعاني منذ قرون من الاستبداد والتخلف وانعدام الحريات، وتعيش في ظل حروب طائفية ومذهبية ونكبات استعمارية لا تتوقف. وباستثناء ومضات سريعة في تاريحنا، فإن كل مسيرتنا على امتداد عالمنا العربي هي سنوات طويلة وثقيلة من الاستبداد والظلام.
وعلى الرغم من الشكوى المريرة من ظاهرة التعصب في الأردن، يظل حالنا أقل وطأة من حال كثيرين حولنا. ما نزال نملك فرصة للتعافي النسبي واكتساب المناعة الثقافية، بالنظر إلى تاريخنا في التعايش والسلم الداخلي. لكننا وعلى مدار سنوات طويلة أهدرنا فرصا عظيمة لتغيير الواقع، وسجلنا انتكاسات مدوية على الصعيد الثقافي والوطني، ولم نظهر الإرادة الكافية لمواجهة الأفكار الظلامية وثقافة التعصب، لا بل إن المؤسسات الرسمية قدمت إسنادا ورعاية وعلى جميع المستويات، لثقافة التعصب، وتنازلت طوعا عن قيم وتقاليد حداثية حكمت مسار الدولة لسنين طويلة.
سجلنا في هذا المضمار سيئ للغاية، وها نحن ندفع الثمن من وحدتنا الوطنية وسلمنا الأهلي. ولا أقصد هنا الجوانب المتعلقة بالثقافة الدينية، إنما الموقف من سيادة القانون وقيم المواطنة والتعصب بكل أشكاله، حتى بتنا غير قادرين على الخروج من المأزق، ونبحث عن حلول لمداراته والتعايش معه بأقل الخسائر.
بالمناسبة لا أحد من المسؤولين يكترث بهذا الكلام، فجميعهم منخرطون في حرب خاسرة مع مظاهر الأزمة على منصات التواصل الاجتماعي دون أن يتوقفوا عند أصولها وأسبابها.