الرئيسية مقالات واراء
أدرك الأردنيون بمختلف مشاربهم مدى الحاجة للمزيد من الاصلاحات السياسية. الأزمة الأخيرة حركت هذا الشعور بقدر أكبر من السابق.
الحكومة كانت قد استجابت لتوجيهات ملكية بعد فترة وجيزة من إجراء الانتخابات النيابية، بضرورة إجراء مراجعة للقوانين الناظمة للحياة البرلمانية والحزبية في البلاد، وشرعت لجنة وزارية قبل أيام بالعمل لإنجاز هذه المهمة ضمن جدول زمني محدد.
لكن مهما كان عمق الاصلاحات السياسية المنوي تنفيذها، فإن أثرها على أسلوب إدارة الحكم في الأردن، ونتائج تغيير الحياة السياسية على الواقع الاقتصادي الاجتماعي للمواطنين، لن يكون ملموسا في القريب العاجل.
عملية الاصلاح تحتاج لبضع سنوات قبل أن تؤتي أكلها، واقع ملموس.
هذه ليست دعوة للتخلي عن المشروع الاصلاحي، بل تحفيزا لضرورة المضي قدما وبسرعة لاختصار المراحل قدر المستطاع.
لكن، وإلى أن نبلغ تلك المرحلة، ثمة تحد كبير يقف في وجه الدولة ولا يحتمل الانتظار، يتمثل بالبطالة المتفاقمة، خاصة بعد جائحة كورونا.
نحن أمام كتلة نار متدحرجة بعد أن تجاوزت معدلات البطالة الخط الأحمر بواقع 25 % تقريبا.
بالأرقام هناك ما لا يقل عن 400 ألف شاب وشابة يبحثون عن فرص عمل في الأردن. وفي تقرير للمرصد العمالي الأردني استند لبيانات دائرة الاحصاءات العامة، ارتفعت البطالة العام الماضي بواقع 80 ألف مقارنة مع العام 2019 وبزيادة تقدر نسبتها بنحو 24 %.
ويفيد تقرير حديث لمؤسسة”بيت العمال” بأن تداعيات الجائحة على سوق العمل، فاقت في آثارها ما تسببت فيه الأزمة الاقتصادية في العام 1989.
كما أظهرت الجائحة بعدا آخر لا يقل خطورة، وهو قصور برامج الحماية الاجتماعية للعمال، إذ إن أقل من نصف العمال بقليل غير مشمولين بهذه البرامج، الأمر الذي حرم مئات الألوف من الحصول على أي شكل من أشكال الدعم جراء انقطاعهم عن العمل وإغلاق القطاعات.
بذلت مؤسسة الضمان الاجتماعي جهودا ممتازة لشمول أكبر شريحة ممكنة بخدماتها وبرامجها، لكن عمق الأزمة كان أكبر من أن يعالج في غضون أشهر قليلة.
لا يمكن انتظار الاصلاح السياسي والحكومات المنتخبة والبرلمانية البرامجية والحزبية لمعالجة هذا التحدي الخطير. يتعين على مؤسسات الدولة والقطاع الخاص الانخراط في عمل مشترك وسريع لتنشيط دورة الاقتصاد الوطني، وتحريك خطط المشاريع المؤجلة، وفتح أبواب الاستثمار على مصراعيها بدون عوائق أو ذرائع إدارية، لخلق عشرات الآلاف من فرص العمل، وزيادة معدلات النمو الاقتصادي.
نحن اليوم بحاجة للمشاريع الكبيرة والصغيرة، المبادرات الجماعية لرجال الأعمال والمبادرات الفردية لرواد العمل من الشباب، وكل ما يمكن تقديمه من حوافز ضريبية لتحفيز المستثمرين على إنشاء مشاريع جديدة.
السياسات الاقتصادية ينبغي أن تكون موجهة لخدمة سوق العمل بالدرجة الأولى،وتأهيل وتشغيل المتعطلين عن العمل أينما توفرت الفرص والإمكانية، وضمان شمولهم جميعا بمظلة الضمان الاجتماعي والتأمينات الصحية.
القطاع العام غير قادر على إحداث أي أثر يذكر في هذا المجال، التحدي مرهون بدور القطاع الخاص.
بخلاف ذلك فإن كتلة الغاضبين من طالبي العمل ستنفجر في وجوهنا، وقد لا تعطي للإصلاح السياسي الفرصة ليمضي بسلام نحو أهدافه.