الرئيسية مقالات واراء
لم يكن ضروريا انتظار حكم المراقبين والمحللين على نتائج هذه الجولة من المواجهة فقد شعر اهل القدس وفلسطين عفويا بإنتصارهم مع اعلان وقف اطلاق الناروخرجوا يحتفلون في الشوارع بمعنويات عالية واحساس عارم بالنيل من عدوهم وغطرسته الدائمة. ورأينا الشباب المقدسي يمرون منتشين امام صف الجنود على مداخل الأقصى ويوثقون اللحظة على هواتفهم! ونقلت مصادر عن قرار بوقف دخول المستوطنين كليا الى الأقصى وكانت تلك الممارسات الرعناء من أسباب انفجار المواجهة مع قضية الشيخ جراح وقرارات الإخلاء التي اضطر العدو لتجميدها..
كل طرف يقدم روايته عن النصر، لكن رأيي الذي كتبته فور اعلان وقف النار أن الجانب الفلسطيني انتصر وكان هذا سياسيا وموضوعيا هو احساسي الفوري ضمن المعطيات وسياق الأحداث. ولنلاحظ ما يلي : عسكريا كانت حماس من بادر لاطلاق الصواريخ وهي استعرضت بلا أي تمويه قدراتها الصاروخية التي اصبحت اكبر وابعد مدى ووصلت تل ابيب، دون ان تتمكن اسرائيل من ردّ فعل مختلف عن المرات السابقة وأضطرت الى وقف النار بينما الصواريخ ما زالت تنطلق بكامل العنفوان وتوقفت الحرب دون اي شرط او ترتيب لأمن اسرائيل المستقبلي. والفصائل الفلسطينية تبقى حرة أن تتابع تضخيم وتطوير ترسانتها العسكرية فلا قيمة لإدّعاءات اسرائيل حتى لو كانت صحيحة بتدمير واسع للصواريخ او شبكة الانفاق. والحال أن تدمير البنى المدنية والمجازر الوحشية كانت تعوض فشلا عسكريا وهو أحرج قيادة العدو وأجبرها في النهاية على وقف النار، وحسب ما باح به احد الطيارين قال كنا نشعر اننا ندمر الأبراج لتعويض احباطنا من استمرار اطلاق الصواريخ وفشلنا في وقفها.
على جانب آخر كان ابرز ما جادت به هذه المواجهة عودة فلسطين كاملة موحدة من الضفة الى القدس الى القطاع الى اراضي ال 48 يناضل شعبها موحدا ضد عدو عنصري غاصب. وبعكس الحروب السابقة على غزة لم تكن المواجهة العسكرية الا جزءا وامتدادا لمواجهة شعبية أسبق وأشمل في القدس وعموم فلسطين. ولنفترض ان حماس دخلت بصواريخها على الخط في مغامرة خطرة لكسب الصدارة فإن نتيجتها الأهم قبر مشروع فصل غزة عن فلسطين نهائيا. وقد انتهى الجدل أيضا حول صيغ النضال ما بين المقاومة العسكرية و الشعبية السلمية فكلها قابلة للاستخدام وفقا للمقتضيات والظروف والحسابات ولا مزاودة من شكل على شكل ولا من طرف على آخر. وأداء الشباب الفلسطيني وأصدقائهم من كل العالم على وسائل التواصل لم يكن اقل اثرا بل كان باهرا ساحقا وهو أعطى الغطاء لصواريخ غزة كرد فعل مشروع لا يوصم بالارهاب.
سياسيا تآكلت كل المكاسب التي حققها العدو بنوع التعايش تحت الاحتلال مع سلطة رام الله والتنسيق الأمني والاستيطان والضم وكل منجزات حقبة ترامب بما في ذلك موجة التطبيع والود تجاه المحتل حيث لا حدود لحرج هذه الأطراف وقد حدث ما يكفي ويستدعي اعادة كل الحسابات. فلن ينجح التطبيع ولا اعادة تعريف الأعداء والأصدقاء ما دام الاحتلال باق واضطهاد شعب فلسطين مستمرا. لقد عادت الأمور الى نقطة الصفر، عادت القدس الى قلب الصراع وذهبت الى القمامة اعلانات الاعتراف الدبلوماسي بها عاصمة ابدية موحدة لإسرائيل، وعادت القضية الفلسطينية الى صدارة المشهد دوليا مع دعم وتعاطف غير مسبوق وذخيرة من الخبرة والتجربة عند الأجيال الشابة سيكون لها شأن في الخطاب الفلسطيني القادم كله.
ثمة موقف جديد كليا بعد هذه الجولة الدامية ومع العودة المظفرة للشعب الفلسطيني الى الواجهة. يبقى ان نرى الى المستوى السياسي الفلسطيني .. السلطة والفصائل كيف تنظر الى الخطوة القادمة ولهذا حديث آخر .