الرئيسية مقالات واراء
منذ هزيمة العرب الكبرى الأولى في فلسطين سنة 1948، وسقوط معظمها بيد العصابات الصهيونية في حينه، وهزيمة العرب الكبرى الثانية في حزيران 1967، وسقوط أراض عربية أخرى بيد إسرائيل « ظل المسلمون – العرب وغير العرب- ينكرون وجود إسرائيل وحقها بالوجود ويصفونها بالمزعومة حتى الهزيمة الثانية التي اعترفت بها اتفاقية كامب ديفيد المصرية (1979) ثم اتفاقية اوسلو الفلسطينية 1993 ، ثم اتفاقية وادي عربة الأردنية (1994) وتلميع صورتها والتطبيع معها أخيراً من المحيط إلى الخليج. مع أنها تزود المدارس الإسرائيلية بخرائط لإسرائيل القديمة (الجديدة) تبدو ممتدة بين الفرات إلى النيل. وإذا بالعرب يفاجئونها بامتدادها من المحيط إلى الخليج.
في كل مرة كان الإسلاميون يرفضون هذه الاتفاقية أو تلك مع إسرائيل معلنين أن فلسطين وقف إسلامي لا يحق لأحد التنازل عن شبر منها للعدو. وبموجبه ظلت حماس الإخوانية تعطل في كل مرة تنفيذ بنود اوسلو في زمن عرفات بالتفجيرات.
كان عقل المسلمين – العرب وغير العرب – يطير محلقا في السماء عند كل تفجير أو عند إطلاق حماس للصواريخ على إسرائيل ويعتبرونها الطريق الوحيد للقضاء عليها ولتحرير فلسطين الوقف منها. وقد مكنها ذلك من الانقلاب بنجاح على إدارة السلطة في قطاع غزة وحكمه إلى اليوم. وهكذا قلصت حماس مكانة عرفات وعباس شعبيا.
أما في الداخل الفلسطيني فقد رأى بعض أهله – بعد فشل جميع محاولات التحرير – أن أفضل طريقة للمقاومة تعلم لعبة العدو الإسرائيلي ولعبها ضده وهي اللعبة الديمقراطية التي هي في حالة الفلسطينيين شكل آخر من المقاومة. وهكذا نشأت ما تسمى بالقائمة المشتركة منهم ومن بعض اليهود المؤمنين بحقوقهم. كانوا يأملون بالحصول على مقاعد في الكنيست بنسبة حصتهم السكانية (21 %) ولكن شعبهم لا يشارك برمته في الانتخابات رفضا أو يأسا أو كسلا.
وأخيرا زهقت الحركة الإسلامية (الإخوان المسلمون) في الداخل من الانتظار ومن الشعور بالحرمان من السلطة، فأقدمت على المشاركة بقائمة إسلامية مستقلة في الانتخابات الأخيرة بزعامة منصور عباس، متخلية تماما عن نهج النضال المتواصل الذي كانت الحركة الإسلامية في الشمال تقوده بقيادة رائد صلاح ضد محاولات إسرائيل العبث بالمسجد الأقصى تمهيدا لهدمه وإقامة الهيكل الثالث في مكانه.
وبفوزها بالانتخابات (بخمسة مقاعد) – في الكنيسيت – حلف الفائزون الإسلاميون يمين الولاء لإسرائيل. وكانت مفاجأة كبرى لم تخطر على بال مسلم سابقا، لأنه يتم التخلي نهائيا باليمين عن الوقف الإسلامي وعن الأقصى، وأن المسلمين في إسرائيل جزء منها. لقد تغلب فرح الإسلاميين بالفوز على المفاجأة وبخاصة لإشادة الإعلام الإسرائيلي بالحركة، ووصف زعيمها بصانع الملوك، لاستعداده تأييد أي رئيس حكومة إسرائيلية يلبي طلبات الحركة بما في ذلك نتنياهو، الذي ترفض القائمة المشتركة التعامل معه. وها هو يؤكد ذلك بالمشاركة في الحكومة الإسرائيلية الجديدة.
والغريب أو العجيب أن تنظيما إسلاميا أو حتى إسلامويا واحدا أو مفكرا إسلاميا واحدا في الخارج لم يشجب أو يعترض على خطوة الإخوان هذه. لو فعلها غيرهم لقامت القيامة عليهم عبر كل الوسائل المتاحة أو كان التكفير وإهدار الدم عنوانها.
إن خطورة الإسلام السياسي على المسلمين في بلدان الأكثرية غير المسلمة كبيرة وربما مصيرية بتحريضه أصحاب الأديان الأخرى، كما في الهند وروسيا وغيرهما، توظيف أديانها سياسياً كما يفعل المسلمون ضارباً بعرض الحائط حقوق المسلمين الأقليات فيها. أما الخطورة الأخرى، فما نراه من إقبال العرب من المحيط إلى الخليج إلى التطبيع مع إسرائيل والاعتراف بها بل والتحالف معها، بالحجة المزدوجة: الأوسلوية والإسلامية أننا لن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين.
أما الدليل الآخر على التنازل الإسلامي عن فلسطين الوقف فسعي حماس للمشاركة في الانتخابات الفلسطينية تحت حكم إسرائيل. إنه يعني اعترافها باتفاقية اوسلو والاستعداد لتشكيل حكومة ذاتية بموجبها والعمل في ظل إسرائيل الإداري والسياسي والعسكري والتنسيق الأمني معها.
أنا أعذرهم في داخل فلسطين فالحاضر يرى ما لا يرى الغائب وويل للشجي من الخلي ولكن يجب أن يكونوا مستقلين وغير ذوي صلة بالإخوان المسلمين وغيرهم من الإسلاميين في الخارج، ليمارسوا اللعبة الديمقراطية في إسرائيل كيلا تؤثر لعبتهم سلبياً عليهم.
يقول تسفي بارئيل – المعلق السياسي في جريدة هارتس الإسرائيلية (في 12/11/2018 وفي جريدة الغد في 13/11/2018) في مقال طويل له بعنوان: كل ما يخلد الانقسام الفلسطيني يستحق الثمن. لقد تحولت حماس إلى ذخر استراتيجي في السياسة الإسرائيلية… بل ان حماس بالسيطرة على غزة يمكنها مواصلة الانقسام مع السلطة، وبذلك تحبط جهود تشكيل تمثيل فلسطيني موحد يستطيع التفاوض مع إسرائيل ومع الإدارة الأميركية. هذه خدمة مهمة جداً لحكومة إسرائيل… حسب رأي حكومة نتنياهو فإن كل تنازل لحماس يحافظ على الانقسام الفلسطيني يستحق الثمن».