الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    قانون حقوق الطفل… مصلحة وطنية واستثمار في الطفولة

    د.نهلا عبدالقادر المومني - ما هي الخسارة التي يتكبدها الوطن كلّ يوم في ظل عدم إقرار قانونٍ لحقوق الطفل؟ كيف يمكن لغياب القانون أن يضيع فرصة الاستثمار الأمثل في الطفولة التي ستشكل مستقبل الغد؟

    تساؤلات مشروعة ينبغي أن تكون موضعًا لنقاش مطول؛ خاصة في ظل الرحلة طويلة الأمد التي خاضها مشروع قانون حقوق الطفل والتي بدأت العام 1998 بصدور المسودة الاولى للقانون وبقيت على أجندة مجلس النواب إلى ان تمّ سحبها من قبل الحكومة، ليعود المجلس الوطنيّ لشؤون الأسرة ويقوم بإعداد مسودة قانون جديد تم رفعها للحكومة الأردنية في شهر آذار من العام 2019.

    لماذا قانون لحقوق الطفل؟ سؤال على بساطته الظاهرة، ينطوي على أسباب عديدة متجذرة في عمق القانون والواقع، تجعل منه سؤالًا ملحًا لا بدّ وأن يتصدر أسئلة القائمين على العملية التشريعية وكذلك المسؤولين عن صناعة السياسات في المجالات جميعها، لا بل هو سؤال لا بدّ وأنّه راود كلّ من طبق القانون ويطبقه عندما تعرض قضايا الطفولة فيكون الفراغ التشريعي سيد الموقف أو يكون قصور الحماية عائقا أمام تحقيق مصلحة الطفل الفضلى.

    لماذا إذًا قانونٌ لحقوق الطفل؟ سؤال الإجابة عليه تنطوي على شقين، الأول حقوقي بامتياز وثانيهما واقعي موضوعي.

    أما الشق الحقوقي؛ فالدولة الأردنية صادقت على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، وتمّ عرض الاتفاقية على مجلس الأمة الأردنيّ لتصدر بموجب قانون، ولتكون اتفاقية خارج حدود الجدل القائم بسبب عدم عرض الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان جميعها على مجلس الأمة وما يتبع هذا الجدل من حديث دائم حول مدى إلزامية هذه الاتفاقيات وتحديدًا فيما يتعلق بالاحتجاج بها أمام القضاء الوطنيّ، وبعد هذا وذاك تمّ نشر الاتفاقية في الجريدة الرسمية لتمسي جزءًا من المنظومة القانونية الوطنية، ولاحقًا جاء قرار المحكمة الدستورية رقم1/2020 ليؤكد على أن «الاتفاقيات الدولية لها قوتها الملزمة لأطرافها، ويتوجب على الدول احترامها، ما دام أن هذه المعاهدات تم ابرامها والتصديق عليها واستوفت الإجراءات المقررة لنفاذها».

    المصادقة على الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الطفل تعني بالضرورة التزامات تقع على عاتق الدولة في مقدمتها اتخاذ الإجراءات التشريعية اللازمة لإعمال الحقوق الواردة فيها وفقًا للمادة الثالثة والرابعة من الاتفاقية ذاتها، بما في ذلك مواءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقية وإزالة التعارض فيما بينهما، ومعالجة القصور التشريعي أو أي ثغرات قائمة تحول دون تعزيز وحماية حقوق الطفل بصورتها الشمولية التي كرستها بنود الاتفاقية.

    على صعيد آخر فإن الالتزام الدولي باتفاقية حقوق الطفل يتطلب التزامًا بالإنفاق لغايات وضع الحقوق الواردة فيها موضع التنفيذ، وهذا الالتزام هو مؤشر على السعي المتواصل للدولة نحو تنفيذ التزامات الاتفاقية بكافة مستوياتها.

    ولا بدّ من الإشارة إلى مسألة غاية في الأهمية فيما يتعلق بقدرة الدولة على الإنفاق أو تطبيقها لمبدأ التنفيذ التدريجي في إعمال الحقوق وفقًا لإمكانياتها، حيث إن هذا المبدأ لا يعني التوقف عن تنفيذ التزامات الدولة خاصة ما يتعلق منها بالجانب التشريعيّ وعدم السير قدمًا في إجراء التعديلات التشريعية أو إقرار قوانين خاصة-كما هو الحال في مشروع قانون حقوق الطفل- وإنما يمنح هذا المبدأ الدولة هامشًا تقديريًا في تحديد أولويات الإنفاق لإعمال الحقوق تباعًا وفقًا لقدراتها ومواردها المادية.

    أما الشق الواقعي الموضوعي الذي يشكل موجبا لإقرار قانون حقوق الطفل؛ فيمكن شموله بعنوان أساسي، يكتنز تفاصيل عديدة ألا وهو إقرار مشروع قانون حقوق الطفل استثمار في الطفولة. هذا العنوان الذي فصلت شموليته في الورشة التي عقدها المجلس الوطني لشؤون الإسرة سعيًا نحو كسب التأييد لإقرار مشروع هذا القانون الذي يشكل نقلة مفصلية في حماية وتعزيز حقوق الطفل في الأردن، وبالتالي هو نقلة نوعية في المستقبل القادم الذي نود رسمه وإعادة انتاجه، فطفولة اليوم هي مستقبل الغد في أيّ دولة كانت. هذا الاستثمار في صحة الاطفال وتعليمهم هو استثمار يصب بالنتيجة في صالح العملية التنموية برمتها؛ هذه العملية التي لا يمكن أن تضرب جذورها في عمق الأرض دون وجود جيل يتمتع بأعلى مستوى صحي يمكن بلوغه، وبتعليم قائم على بناء الشخصية الإنسانية وتمتين أواصرها، تؤمن بالتعددية وقيم حقوق الإنسان وتتلقى تعليمًا بنوعية وجودة وآليات تتماشى ومتطلبات العصر ومن خلال توفير رعاية اجتماعية متكاملة بما في ذلك الرعاية البديلة وتوفير حماية للطفولة مما قد يشكل انتهاكًا لها.

    أما من حيث الأعباء المالية المترتبة على مشروع هذا القانون؛ فمن أبرز المخرجات التي خلصت لها هذه الورشة ومن خلال الخبرات المتخصصة واستنادً لمخرجات دراسة الأثر المالي لهذا المشروع هو أنّ المخصصات المرصودة للطفل تنطوي عليها موازنات الجهات والوزارات ذات العلاقة وان إعادة التوزيع للموارد والنفقات سيساهم في تحقيق وفر مالي؛ مما يعني أنّ إقرار مشروع قانون حقوق الطفل لن يحمل الموازنة العامة أعباء إضافية تذكر.

    إنّ الحديث عن مشروع قانون حقوق الطفل هو بالضرورة حديث عن شعار أهداف التنمية المستدامة والتي يحرص الأردن على السير قدمًا في سبيل تحقيق خطواتها، هذا الشعار الذي جاء تحت عنوان»حتى لا يبقى أحد في الخلف»، مما يجعل إقرار قانون حقوق الطفل هو تجسيد وتأكيد مستمر على انّ الأردن يمضي في طريق تحقيق هذا الشعار من خلال مظلة تشريعية شمولية تهدف إلى تعزيز حقوق الطفل ووقايته وحمايته في حال وقوع الانتهاك، حتى يكون الأطفال جميعًا على مركب التنمية ذاته دون وجود أيّ فئة منهم متخلفة عن هذا الركب. وفي الحقيقة فإنّ ما مرّ به العالم أثناء جائحة كورونا من أزمة اقتصادية وتقطع سبل شبكات الحماية الاجتماعية يجعل إقرار مشروع هذا القانون ضرورة واجبة لما يشكله من حماية مستمرة في الظروف جميعها العادية منها والاستثنائية.

    إنّ إقرار مشروع قانون حقوق الطفل واستكمال مراحله الدستورية هو مصلحة وطنية عليا، لا بل هو احد مقومات الأمن المجتمعي لاتصاله بشريحة واسعة في المجتمع الأردنيّ، والتي ستمسي يومًا ما في مواقع المسؤولية والقرار. إن إقرار مشروع هذا القانون يعني أن نعيد تشكيل صورة المستقبل، أن نضع لبنة لمجتمع واعد يقف على أرضية صحية وتعليمية واجتماعية وثقافية صلبة، مما يجعله استثمار من أفضل وأقوى الاستثمارات التي سيدخلها الأردن تزامنا مع دخوله المئوية الثانية للدولة، ليشكل أداة تحمي وترعى الطفولة والنشء كما أمر بذلك الدستور الأردنيّ في المادة السادسة منه.





    [04-07-2021 08:17 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع